الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( برح ) الباء والراء والحاء أصلان يتفرع عنهما فروع كثيرة . فالأول : الزوال والبروز والانكشاف . والثاني : الشدة والعظم وما أشبههما .

                                                          أما الأول فقال الخليل : برح يبرح براحا : إذا رام من موضعه ، وأبرحته أنا . قال العامري : يقول الرجل لراحلته إذا كانت بطيئة : لا تبرح براحا ينتفع به . ويقول : ما برحت أفعل ذلك ، في معنى مازلت . قال الله تعالى حكاية عمن قال : لن نبرح عليه عاكفين ، أي : لن نزال . وأنشد :


                                                          فأبرح ما أدام الله قومي بحمد الله منتطقا مجيدا

                                                          أي : لا أزال . ومجيد : صاحب فرس جواد ، ومنتطق : قد شد عليه النطاق . ويقول العرب : " برح الخفاء " أي انكشف الأمر . وقال :


                                                          برح الخفاء فما لدي تجلد

                                                          قال الفراء : وبرح بالفتح أيضا ، أي : مضى ، ومنه سميت البارحة . قالوا :

                                                          [ ص: 239 ] البارحة الليلة التي قبل ليلتك ، صفة غالبة لها . حتى صار كالاسم . وأصلها من برح ، أي : زال عن موضعه .

                                                          قال أبو عبيدة في المثل : " ما أشبه الليلة بالبارحة " للشيء ينتظره خيرا من شيء ، فيجيء مثله .

                                                          قال أبو عبيد : البراح المكاشفة ، يقال : بارح براحا كاشف . وأحسب أن البارح الذي هو خلاف السانح من هذا; لأنه شيء يبرز ويظهر . قال الخليل : البروح مصدر البارح وهو خلاف السانح ، وذلك من الظباء والطير يتشاءم به أو يتيمن ، قال :


                                                          وهن يبرحن له بروحا     وتارة يأتينه سنوحا

                                                          وتقول العرب في أمثالها : " هو كبارح الأروى ، قليلا ما يرى " . يضرب لمن لا يكاد يرى ، أو لا يكون الشيء منه إلا في الزمان مرة . وأصله أن الأروى مساكنها الجبال وقنانها ، فلا يكاد الناس يرونها سانحة ولا بارحة إلا في الدهر مرة . وقد ذكرنا اختلاف الناس في ذلك في كتاب السين ، عند ذكرنا للسانح . ويقال في قولهم : " هو كبارح الأروى " إنه مشئوم من وجهين : وذلك أن الأروى يتشاءم بها حيث أتت ، فإذا برحت كان أعظم لشؤمها .

                                                          والأصل الآخر قال أبو عبيد : يقال : ما أبرح هذا الأمر ، أي : أعجبه . وأنشد للأعشى :

                                                          [ ص: 240 ]

                                                          فأبرحت ربا وأبرحت جارا

                                                          وقالوا : معناه أعظمت ، والمعنى واحد . قال ابن الأعرابي : يقال : أبرحت بفلان ، أي : حملته على ما لا يطيق فتبرح به وغمه . وأنشد :


                                                          أبرحت مغروسا وأنعمت غارسا

                                                          ابن الأعرابي : البريح التعب . قال أبو وجزة :


                                                          على قعود قد ونى وقد لغب     به مسيح وبريح وصخب

                                                          المسيح : العرق . أبو عمرو : ويقال : أبرحت لؤما وأبرحت كرما . ويقال : برحى له : إذا تعجبت له . ويقال : البعير برحة من البرح ، أي : خيار . وأعطني من برح إبلك ، أي : من خيارها .

                                                          قال الخليل : يقال : برح فلان تبريحا فهو مبرح : إذا أذى بالإلحاح; والاسم البرح . قال ذو الرمة :

                                                          والهوى برح على من يطالبه

                                                          والتباريح : الكلفة والمشقة . وضربه ضربا مبرحا . وهذا الأمر أبرح علي من ذاك ، أي : أشق . قال ذو الرمة :

                                                          [ ص: 241 ]

                                                          أنينا وشكوى بالنهار كثيرة     علي وما يأتي به الليل أبرح

                                                          ، أي : أشق . ويقال : لقيت منه البرحين والبرحين وبنات برح وبرحا بارحا . ومن هذا الباب البوارح من الرياح ، لأنها تحمل التراب لشدة هبوبها . قال ذو الرمة :


                                                          لا بل هو الشوق من دار تخونها     مرا سحاب ومرا بارح ترب

                                                          فأما قول القائل عند الرامي إذا أخطأ : برحى ، على وزن فعلى ، فقال ابن دريد وغيره : إنه من الباب ، كأنه قال خطة برحى ، أي : شديدة .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية