الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا تقرر ما وصفنا من سكنى المعتدة في المسكن الذي يجب أن تعتد فيه فأرادت الخروج منه فهو على ضربين : أحدهما : خروج نقلة فلا يجوز إلا من ضرورة يخاف بها على نفس أو مال فيجوز معها الانتقال عنه إلى غيره من أقرب المواضع إليه . والضرب الثاني : أن تكون لحاجة تعود عليه بعد قضائها فلا يخلو حال المعتدة من أن تكون في عدة الوفاة أو في عدة الطلاق . فإن كانت في عدة وفاة جاز أن يخرج بها في حوائجها وتعود ليلا إلى مسكنها وروى مجاهد ، قال : استشهد رجال يوم أحد فجاء نساؤهم ، وكن متجاورات في دار فجئن إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلن : يا رسول الله إنا نستوحش الليل فنبيت عند إحدانا ، فإذا أصبحنا تبددنا إلى بيوتنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تحدثن عند إحداكن ما بدا لكن ، فإذا أردتن النوم فلتأت كل امرأة منكن إلى بيتها وإنما لم يفسح لهن في مفارقة منازلهن ليلا وفسح لهن في مفارقتها نهارا ؛ لأن الليل زمان الخلوات والاستخفاء بالفواحش فمنعهن تحصينا لهن وحفظا لمياه أزواجهن في زمان الحذر من الليل ، ورخص لهن في زمان الأمن من النهار ، وإن كانت في عدة من طلاق بات لم يجز أن تخرج من منزلها ليلا لما ذكرنا ، وفي جواز خروجها نهارا للحاجة قولان : أحدهما : وهو قوله في القديم ، وبه قال أبو حنيفة لا يجوز أن تخرج نهارا لقول الله تعالى : لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة [ الطلاق : 1 ] . والقول الثاني : وبه قال في الجديد ، ويشبه أن يكون قول مالك : يجوز لها الخروج نهارا ، وإن لم يستحب كالمتوفى عنها زوجها : لما روى أبو الزبير عن جابر : طلقت خالتي ، فأرادت أن تجد نخلها فزجرها رجل عن الخروج ، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك ، فقال : بلى فجذي نخلك فلعلك أن تتصدقي أو تفعلي خيرا معروفا ، قال الشافعي : نخل الأنصار قريب من منازلهم والجداد يكون نهارا فأذن فيه ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية