الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : ويرزق من يقيم الحدود ويأخذ القصاص من سهم النبي - صلى الله عليه وسلم - من الخمس كما يرزق الحكام فإن لم يفعل فعلى المقتص منه الأجر كما عليه أجر الكيال والوزان فيما يلزمه .

                                                                                                                                            قال الماوردي : ينبغي للإمام أن يندب لاستيفاء الحدود والقصاص رجلا أمينا يرزق من بيت المال إن لم يجد متطوعا ، لأنه من المصالح العامة ، ويكون من مال المصالح وهو خمس الخمس سهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الفيء والغنيمة المعد بعده للمصالح العامة ، فإذا استوفى الجلاد القصاص أعطي أجرته منه ، فإن أعوز بيت المال أو كان فيه ولزم صرفه فيما هو أولى منه من سد الثغور وفي أرزاق الجيوش منه كانت على المقتص منه أجرته دون المقتص له .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : أجرته على المقتص له دون المقتص منه استدلالا بأن حقه متعين ، وإنما يحتاج إلى الفصل بين حقه من حق غيره فكانت أجرة الفاضل على مستوفيه كمشتري الثمرة يلزمه أجرة لقاطها وجذاذها ، وكمشتري الصبرة يلزمه أجرة حمالها ونقالها ، ولأنه لما كانت أجرة متعد المال على مستوفيه دون موفيه كذلك القصاص ، ولأن العامل في الصدقات مستوف من أرباب الأموال لأهل السهمان ، ثم كانت أجرته في مال أهل السهمان المستوفى لهم دون أرباب الأموال المستوفى منهم وجب أن تكون أجرة المقتص في مال المستوفى له دون المستوفى منه .

                                                                                                                                            ودليلنا هو أن القصاص استيفاء حق فوجب أن تكون أجرته على الموفي دون المستوفي كأجرة الكيال والوزان ، ولأنه قطع مستحق فوجب أن تكون أجرته على المقطوع منه كالختان وحلق شعر المحرم .

                                                                                                                                            فإن قيل فالختان وحلق شعر المحرم حق للمقطوع منه فلذلك وجب عليه أجرته والقصاص حق للمقطوع له دون المقطوع منه فكان المقطوع له أولى بالتزام أجرته من المقطوع منه .

                                                                                                                                            [ ص: 199 ] قلنا : هما سواء ، لأن الختان وحلق الشعر حق على المقطوع منه كما أن القصاص حق على المقطوع منه ، غير أن الحق في الختان والحلق لله تعالى وفي القصاص للولي فكما التزم حق الله التزم حق الآدمي .

                                                                                                                                            فأما الجواب عن استدلاله بأجرة الجذاذ والنقل فهو أن ذلك تصرف فيما قد استقر ملكه عليه فاختص بمؤنة تصرفه فيه ، وكذلك أجرة منتقد الثمن ، وليس كذلك القصاص ، لأنه إبقاء للحق ومؤونة الإبقاء مستحقة على الموفي كما قال تعالى : فأوف لنا الكيل وتصدق [ يوسف : 88 ] . ثم ثبت أن أجرة الكيال على الموفي دون المستوفي ، كذلك في القصاص وأما عامل الصدقات فهو نائب عن أهل السهمان في الاستيفاء لهم ، وليس بنائب عن أرباب الأموال في الإبقاء عنهم فكانت أجرته واجبة على من ناب عنه كأجرة الوكيل ، وخالف المقتص ، لأنه يقوم بالإبقاء دون الاستيفاء فصار بالكيال والوزان أشبه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية