الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : وبقول سعيد بن المسيب أقول : جراح العبد من ثمنه كجراح الحر من ديته في كل قليل وكثير وقيمته ما كانت وهذا يروى عن عمر وعلي رضي الله عنهما .

                                                                                                                                            [ ص: 314 ] قال الماوردي : أما الجناية على نفس العبد فموجبة لقيمته ، وهذا متفق عليه ، وأما الجناية على ما دون نفسه من أطرافه وجراحه فقد اختلف فيها على ثلاثة مذاهب :

                                                                                                                                            أحدها : وهو مذهب الشافعي أنها تكون مقدرة من قيمته كما تكون مقدرة من الحر من ديته ، فيجب في كل واحد من لسانه وأنفه وذكره قيمته وفي إحدى يديه نصف قيمته كما يجب في الحر نصف ديته ، كما يجب في الحر ديته ، ويجب في إصبعه عشر قيمته ، وفي أنملته ثلث عشرها ، وعلى هذا القياس وهو قول عمر وعلي وسعيد بن المسيب والحسن وابن سيرين وأبي حنيفة .

                                                                                                                                            والمذهب الثاني : ما قاله داود بن علي وأهل الظاهر ومحمد بن الحسن من أصحاب أبي حنيفة الواجب في جميعها ما نقص من قيمته من غير تقدير كالبهائم .

                                                                                                                                            والمذهب الثالث : ما قاله مالك : أن ما لا يبقى له أثر بعد الاندمال من شجاج الرأس ففي مقدر من قيمته كما قلنا ، وما يبقى أثره بعد الاندمال كالأطراف ففيه ما نقص من قيمته كأهل الظاهر ، واستدل أهل الظاهر بأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه مملوك كالبهائم .

                                                                                                                                            والثاني : أنه لا يضمن بالقيمة فأشبه ضمان الغصب ، وفرق مالك بين شجاج رأسه وأطرافه بأنه قول أهل المدينة وهو عنده حجة ، وبأنه لما تقدر شجاج الرأس في الحر ولم تتقدر جراح جسده تغلظ حكمه على حكمه .

                                                                                                                                            والدليل عليه أن من ضمنت نفسه بالقود والكفارة ضمنت أطرافه بالمقدر كالحر ، وعلى مالك أن من تقدرت شجاجه تقدرت أطرافه كالحر ، ولأن ما تقدر في الحر تقدر في العبد كالشجاج ، ثم يقال لمالك : العبد متردد بين أصلين :

                                                                                                                                            أحدهما : الحر .

                                                                                                                                            والثاني : البهيمة ، فإن ألحق بالحر تقدرت أطرافه وشجاجه ، وإن ألحق بالبهيمة لم تتقدر شجاجه ولا أطرافه ، وإلحاقه بالحر أولى من إلحاقه بالبهائم ، لما يتوجه إليه من التكليف ، ويجب عليه من الحدود ، ويلزم في قتله من القود والكفارة ، فأما ضمانه باليد إذا يغصب ، فإنما لم يضمن بالمقدر ، لأنه لا يضمن بالقود والكفارة فأجرى عليه حكم الأموال المحضة ، وصار فيها ملحقا بالبهائم ، ويضمن في الجنايات بالقود والكفارة فألحق بالأحرار .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية