الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا غرم في جنايتها أقل الأمرين ثم جنت بعده على آخر نظر فيما غرمه السيد للأول من أقل الأمرين ، فإن كان هو أرش الجناية ، لأن قيمتها ألف ، وأرش جنايتها خمسمائة لزم السيد أن يغرم للثاني أرش جنايته إذا كان بقدر الباقي من قيمتها ، وهو أن يكون أرشها خمسمائة فما دون ، وإن كان ما غرمه للأول من أقل الأمرين هو جميع قيمتها وهي ألف ، فإذا جنت على الثاني ففيها قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو اختيار المزني : يضمنها كضمان الأول بأقل الأمرين من قيمتها أو أرش جنايتها ويعلم للأول ما أخذه من أرش الجناية عليه لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنها قد عادت بعد الفداء إلى معناها الأول فوجب أن يضمنها كضمانه [ ص: 322 ] للأول ، كما لو غرم قيمة عبده في جنايته للمنع من بيعه ثم جنى ثانية فمنع من بيعه غرم قيمته ثانية .

                                                                                                                                            والثاني : أن الأول قد ملك أرش جنايته والجاني على الثاني غيره ، فلم يلزمه أن يضمن جناية غيره ، وليس بجان ولا من عاقلة الجاني ، فعلى هذا يضمنها السيد في كل جناية تجددت منها ولو كانت مائة جناية بأقل الأمرين من قيمتها أو أرش جنايتها .

                                                                                                                                            والقول الثاني : وهو مذهب أبي حنيفة : أن السيد لا يلزمه ضمان الجناية الثانية ، ويرجع الثاني على الأول فيشاركه في القيمة ، وإنما كان هكذا لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه بالإيلاد مستهلك ، والمستهلك لا يلزمه أكثر من قيمة واحدة .

                                                                                                                                            والثاني : أنه لما لم يلزمه إذا تقدمت الجناية على الغرم أكثر من قيمتها كذلك لا يلزمه فيما حدث بعد غرمه أكثر من قيمتها وقد غرمها ، وخالف المانع من بيع غيره ، لأن أم الولد مستهلكة والممنوع من بيعه غير مستهلك ولا يمتنع أن يرجع الثاني على الأول وإن لم يكن جانيا ولا عاقلة ، كما لو مات رجل في بئر تعدى حفرها ضمن في تركته فأتلف فيها بعد موته وإن لم يكن الورثة جناة ولا عاقلة ، فلو كانت قيمة ما تلف فيها ألفا وجميع التركة ألفا فاستوعبها المجني عليه ثم تلف فيها ما قيمته ألف ثانية رجع الثاني على الأول فشاركه في الألف التي أخذها ، وإن لم يكن جانيا ولا عاقلة ، كذلك في جناية أم الولد ، فعلى هذا لو غرم قيمتها للأول وهي ألف ثم جنت ثانية بعد الأول لم يخل حال الجنايتين من ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يتساويا في أرشها ، فيكون أرش الأولى ألفا وأرش الثانية ألفا ، فيرجع الثاني على الأول بنصف الألف ويتساويان فيها لتساوي جنايتهما .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن تكون أرش الجناية الثانية أقل من أرش الجناية الأولى ، لأن أرش الأولى ألفان وأرش الثانية ألف ، فيرجع الثاني على الأول بثلث الألف ، لأن أرشه ثلث الأرشين .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن يكون أرش الجناية الثانية أكثر من الجناية الأولى ، لأن أرش الأولى ألف وأرش الثانية ألفان ، فيرجع الثاني على الأول بثلثي الألف ، لأن أرشه ثلثا الأرشين لتكون القيمة في الأحوال الثلاث مقسطة على قدر الأروش ، وهكذا لوجبت على ثالث بعد اشتراك الأولين في القيمة رجع الثالث على كل واحد من الاثنين بقسط جنايته مما أخذه كل واحد من الأولين ، ثم كذلك على رابع وخامس ، وبالله التوفيق .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية