الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : ولا اختلاف بين أحد علمته في أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى بها في ثلاث سنين .

                                                                                                                                            قال الماوردي : ذهب قوم إلى أن العاقلة تتحمل الدية حالة يؤدونها معجلة كديات العمد وقيم المتلفات .

                                                                                                                                            وحكي عن ربيعة بن أبي ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنها مؤجلة في خمس سنين ، لأن دية الخطأ أخماس ، وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة ومالك ، وما عليه الجمهور أنها مؤجلة في ثلاث سنين .

                                                                                                                                            قال الشافعي : لا اختلاف بين أحد علمته أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى بها في ثلاث سنين فأضافه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وجعل نقله كالإجماع ، فاختلف أصحابنا فيما أراده الشافعي بهذا القضاء ، لأن أصحاب الحديث اعترضوا على الشافعي فيه وقالوا : ما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا شيء فكيف قال هذا .

                                                                                                                                            وقال ابن المنذر : لا أعرف هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                            وسئل أحمد بن حنبل عن هذا فقال : لا أعرف فيه شيئا ، فقيل له : إن أبا عبد الله قد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال : لعل أبا عبد الله سمعه من ذلك المدني فإنه كان حسن الظن فيه يعني إبراهيم بن يحيى الهجري . ولأصحابنا عنه جوابان :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قول أبي علي بن أبي هريرة وطائفة أن مراد الشافعي بقضائه تأجيل الدية في ثلاث سنين ، وأنه مروي لكنه مرسل ، فلذلك لم يذكر إسناده .

                                                                                                                                            [ ص: 344 ] والثاني : أن مراده القضاء بأصل الدية وهو متفق عليه .

                                                                                                                                            فأما تأجيلها في ثلاث سنين فهو مروي عن الصحابة ، روي عن عمر وعلي رضي الله عنهما أنهما جعلا دية الخطأ على العاقلة في ثلاث سنين ، ولأن العاقلة تتحمل دية الخطأ مواساة ، وما كان طريق المواساة كان الأجل فيه معتبرا كالزكاة ، ولما خرجت عن عرف الزكاة في القدر زاد حكمها في الأجل ، فاعتبر في عدد السنين أكثر القليل وأقل الكثير فكان ثلاث سنين ، وبهذا خالف العبد وقيم المتلفات ، لأنه لا مواساة فيهما ، ولا اعتبار بما قاله ربيعة أنها مؤجلة في خمس سنين ، لأن دية الخطأ أخماس ، لأن عمد الخطأ أثلاث والأجل فيهما سواء .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية