الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : وفي شعر الرأس والحاجبين واللحية وأهداب العينين في كل ذلك حكومة .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا قاله ردا على أبي حنيفة ، لأنه أوجب في كل واحد من هذه الشعور الأربعة الدية تامة ، وأوجب الشافعي في جميعها حكومة تتقدر بحسب الشين ، ولم يوجب فيها الدية : لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن الدية تجب فيما يكون له مع الجمال منفعة ، وهذا مسلوب المنفعة فلم تجب فيه الدية .

                                                                                                                                            والثاني : أن الدية تجب فيما يؤلم قطعه ويخاف سرايته ، وقد عدم في الشعر الألم والسراية فلم يجب فيه دية ، وإذا كان كذلك لم يخل حال الشعر المأخوذ من الجسد من ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            [ ص: 301 ] أحدها : ما لا يحدث أخذه شينا في جميع الناس وذلك مثل شعر الإبط والعانة فلا شيء فيه ، سواء عاد أو لم يعد ، إلا أن يحدث في الجلد أثرا فيلزم في أثر الجلد حكومة دون الشعر المأخوذ منه ، وقد خرج بعض أصحابنا فيه وجها ثانيا أن فيه إذا لم يعد حكومة وإن كان ذهابه أجمل ، لأن الشافعي قد أوجب في لحية المرأة إذا نتفت فلم تعد حكومة ، وإن كان ذهابها أجمل بالمرأة من بقائها وهما في المعنى سواء .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : ما يحدث أخذه شينا في جميع الناس كشعر اللحية والحاجبين وأهداب العينين ففيه إذا لم يعد حكومة ، وإن عاد مثل نباته قبل أخذه ففيه وجهان : أحدهما : لا شيء فيه .

                                                                                                                                            والثاني : فيه حكومة هي دون حكومة ما لم يعد ، وقد لوح الشافعي إلى الوجهين معا ، فلو خرج على قولين كان محتملا ، فلو نبت بعضه ولم ينبت بعضه لزمته حكومة ما لم ينبت ، وفي حكومة ما نبت وجهان على ما مضى .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : ما يحدث أخذه شينا في بعض الناس ، ولا يحدث شينا في بعضهم وهو شعر الرأس والشارب ، يحدث شينا فيمن لم تجر عادته بحلق رأسه وحف شاربه ، ولا يحدث شينا فيمن جرت عادته بذلك ، فإن أخذه من لا يشينه أخذه فلا شيء عليه إن عاد ، وإن لم يعد فهل فيه حكومة هي أقل من حكومة الشعر أم لا ؟ على وجهين ، وإن أخذه ممن يشينه أخذه ففيه إن لم يعد حكومة وهي أكثر من حكومته فيمن لا يشينه أخذه ، وإن عاد ففيه ما قدمناه من الوجهين .

                                                                                                                                            فأما القصاص في نتف الشعر فلا يجب لاختلاف الناس في كثافته وخفته ، وطوله وقصره ، وشينه وجماله ، وذهابه ونباته .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية