الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رحمه الله : ومعرفة العاقلة أن ينظر إلى إخوته لأبيه فيحملهم ما يحمل العاقلة فإن لم يحتملوها دفعت إلى بني جده فإن لم يحتملوها دفعت إلى بني جد أبيه ثم هكذا لا يدفع إلى بني أب حتى يعجز من هو أقرب منهم .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح ، لأن تفرد الأقارب بها دون الأباعد إجحاف فخرج عن المواساة ، وأخذها من كل قريب وبعيد يفضي إلى دخول جميع بني آدم فيها فوجب أن يراعي في تحملها الأقرب فالأقرب كالميراث .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : يستوي فيها القريب والبعيد ويشتركون في تحملها على سواء استدلالا بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى بدية المقتول على عاقلة القاتلة ، وأن عمر بن الخطاب قال لعلي رضي الله عنهما في دية الجنين الذي أجهضته المرأة المرهوبة : " عزمت عليك لتقسمنها على قومك " ولم يفرق بين القريب والبعيد .

                                                                                                                                            وهذا فاسد ، لأن كل حكم تعلق بالتعصيب وجب أن يعتبر فيه الترتيب كالميراث وولاية النكاح ، ولأن الأقرب أخص بالنصرة من الأبعد ، فكان أحق بالعقل منه .

                                                                                                                                            [ ص: 346 ] فأما الخبر والأثر فالمراد بهما بيان محل العقل أنهم العصبات ثم يقف التعيين على ما يوجبه الترتيب ، فإذا ثبت هذا فأول العصبات درجة في تحمل الدية الإخوة ، وقدر ما يتحمله الموسر منهم في كل سنة نصف دينار ، والمتوسط ربع دينار على ما سنذكره ، ويخرج من الإخوة من كان لأم ، ويتحملها منهم من كان لأب وأم ، أو لأب ، فإن اجتمعوا فهل يقدم الإخوة للأب والأم في تحملها على الإخوة للأب : على قولين : كما قيل في ولاية النكاح ، فإذا أمكن أن يتحملها الإخوة ، لأن العقل خمسة دنانير والإخوة عشرة ضربت عليهم ولم يعدل إلى غيرهم وإن قصروا عنها ، لأن العقل خمسة والإخوة خمسة ضم إليهم بنو الإخوة ، فإن كانوا خمسة صاروا مع الإخوة عشرة يتحملون العقل الذي هو خمسة دنانير فلا يضم إليهم غيرهم ، وإن كان بنو الإخوة أقل من خمسة ضممنا إليهم بنيهم حتى يستكملوا عشرة فيتحملون عقل الخمسة ، ولا تتعداهم إلى غيرهم ، فإن زاد العقل على الخمسة ضممنا إلى الإخوة وبنيهم الأعمام ، فإن تحملوه لم يعدل إلى غيرهم ، وإن عجزوا عنه ضممنا إليهم بنيهم ، ثم كذلك أعمام الأب وبنوهم وأعمام الجد وبنوهم حتى يستوعبوا جميع القبيلة التي هو إليها منسوب وبها مشهور ، ولا يقتصر على النسب الأدنى دون الأبعد ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل معاقل قريش منهم ، فإذا كان القاتل من بني هاشم جعلنا الدية عليهم ، فإن عجزوا عنها دخل فيها بنو عبد مناف ، فإن عجزوا عنها دخل فيها بنو قصي ، فإن عجزوا عنها دخل فيها بنو كلاب ، ثم كذلك بنو أب بعد أب حتى تستوعب جميع قريش ، ولا يعدل بعد قريش إلى غيرهم من العرب لتميزهم بأنسابهم ، فإن قصروا عنها عدلنا إلى الموالي المعتقين لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : موالي القوم منهم فإن عجزوا عنها كان ما عجزوا عنه في بيت المال ، لأن جميع المسلمين عاقلة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - المسلمون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية