الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : وكذلك لو ضربه بعمود خفيف أو بحجر لا يشدخ أو بحد سيف لم يجرح أو ألقاه في بحر قرب البر وهو يحسن العوم أو ماء الأغلب أنه لا يموت من مثله فمات فلا قود وفيه الدية على العاقلة وكذلك الجراح .

                                                                                                                                            قال الماوردي : قصد الشافعي بهذا بيان عمد الخطأ بأن يكون عامدا في فعله خاطئا في قصده وجملته أن آلة القتل على ضربين محدد ، ومثقل :

                                                                                                                                            فأما المحدد من الحديد إذا ضرب بحده أو برمته فهو عمد محض ، لأنه لما كان لا يضرب بحده إلا لقصد القتل صار عامدا في فعله وقصده ، فصار عمدا محضا وأما المثقل فينقسم ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : ما يقتل ولا يسلم منه مضروبه كالحجر العظيم والخشبة الكبيرة إذا ضربه بهما فهذا كالمحدد في أنه عمد محض ، لأنه لا يقصد به الضرب إلا للقتل فصار عامدا في الفعل والقصد .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : ما كان خفيفا لا يقتل مثله من ضرب به كالنواة من الحجارة والقلم من الخشب فهذا هدر لا يضمن .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : ما كان متوسطا من الحجر والخشب يجوز أن يقتل ويجوز أن لا يقتل فإذا قتل فهو عمد الخطأ ، لأنه عامد في فعله خاطئ في قصده .

                                                                                                                                            وأما إن ألقاه في بحر بقرب البر وهو يحسن العوم فهو على ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يكون مما لا يسلم من مثله لعظم موجه وقلة خلاص من يلقى في مثله ، فهذا قاتل عمد يجب عليه القود له مدة في فعله وقصده .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يكون مما لا يموت فيه من يحسن العوم فلا شيء فيه .

                                                                                                                                            [ ص: 216 ] والقسم الثالث : ما جاز أن يموت منه وجاز أن يسلم ، فهذا من عمد الخطأ ، لعمد في فعله وخطئه في قصده .

                                                                                                                                            وأما شجاج الرأس إذا كان بالمثقل فهو على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون مثله يشج في الأغلب ، فإذا ضربه به فأوضحه كانت موضحة عمد يجب فيها القود ، لأنه عامد في فعله وقصده .

                                                                                                                                            والثاني : أن يكون مثله يجوز أن يشج ويجوز أن لا يشج ، فإذا أوضحه فهو موضحة عمد الخطأ فيها الدية دون القود .

                                                                                                                                            فأما الضرب الثالث الذي قسمناه في النفس وهو أن لا يقتل مثله في الأغلب فيقترن به الموت فيستحيل الشجاج أن يكون ما لا يشج مثله فيقترن به الشجاج ، لأن الموت قد يكون بالطبع وبالأسباب الخفية من أمراض وأعراض ، فجاز أن يقترن بالضرب وإن لم يحدث عنه ، والشجاج لا تحدث بالطبع ولا بالأسباب الخافية فلم يكن حدوثه إلا من الضرب ، وقد يكون الحجر عمدا محضا في الشجاج ، لأن مثله يوضح الرأس لا محالة ويكون ذلك الحجر عمد الخطأ في النفس ، فإن كان في النفس ، لأن مثله يجوز أن يقتل ويجوز أن لا يقتل فلا يجب به القود في النفس ، وإن كان في شجاج الموضحة وجب به القود فيصير الفرق بين النفس وما دونها من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه قد يكون الفعل في النفس هدرا ولا يكون الشجاج هدرا .

                                                                                                                                            والثاني : أنه قد يكون المثقل في النفس عمد الخطأ وفي الشجاج عمدا محضا ثم يكون تغليظ الدية فيهما دون النفس من الأطراف والجراح لتغليظها في النفس على ما سنذكره .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية