الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : وفي الأنف إذا أوعب مارنه جدعا الدية .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وفي الأنف الدية ، لما روى ابن طاوس عن أبيه أنه كان عنده كتاب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي الأنف إذا أوعب مارنه جدعا الدية فأورد الشافعي رحمه الله ذلك بلفظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أمكن ، فإن لم يمكن فبألفاظ الصحابة ، فإن لم يجد فبألفاظ التابعين ، وكثيرا ما يوردها بلفظ عطاء بن أبي رباح .

                                                                                                                                            وروى عمرو بن حزم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في كتابه إلى اليمن : وفي الأنف إذا أوعب جدعا مائة من الإبل لأن الأنف عضو فيه منفعة وجمال تألم بقطعه ، وربما سرت الجناية عليه إلى نفسه فوجب أن يكمل فيه الدية كاللسان والذكر ، ومارن الأنف هو ما لان من الحاجز بين المنخرين المتصل بقصبة الأنف .

                                                                                                                                            والقصبة هي العظم المنتهي إلى الجبهة ، وكمال الدية فيه يجب باستيعاب المارن مع المنخرين ، وسواء في ذلك الأنف الأقنى والأفطس والأحجر ، والأخنس ، وأنف الأشم والأخشم فإن قطع أرنبة الأنف وتجزأ فيه من الدية بحسابه وقسطه ، وإن لم يتجزأ ففيه حكومة ، ولو قطع أحد المنخرين وبقي المنخر الآخر مع المارن ففيما يلزمه من الدية وجهان حكاهما أبو حامد الإسفراييني :

                                                                                                                                            [ ص: 259 ] أحدهما : عليه نصف الدية ، وحكاه عن أبي إسحاق المروزي ، لأنه قد أذهب نصف منفعته .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : عليه ثلث الدية تقسيطا على المنخرين والمارن الذي يشتمل الأنف عليها ، فكان في كل واحد منهما ثلث الدية ، ويلزمه على هذا في قطع المارن مع بقاء المنخرين ثلث الدية ، ولو شق المارن ولم يقطعه ففيه حكومة ، اندمل أو لم يندمل ، غير أنها في المندمل أقل وفي غير المندمل أكثر ، فإن خرم أحد منخريه فإن لم يذهب منه بالخرم شيء ويجزأ ففيه من الدية بقسطه ، وإن لم يتجزأ ففيه حكومة بحسب الشين لا تبلغ بها ثلث الدية في أحد الوجهين ، ونصفها في الوجه الثاني ، بحسب اختلاف الوجهين في قطع أحد المنخرين ، لأن قطعه أكثر من خرمه ، فإن استوعب قطع الأنف من أصل المارن فأوضح عظم القصبة فعليه مع دية الأنف دية موضحة ، ولو هشمه لزمه دية هاشمة ، ولو نقله لزمه دية منقلة ، ولو أجاف ما تحته لزمه دية مأمومة ، لوصوله إلى جوف الرأس .

                                                                                                                                            وحكى أبو حامد المروزي في " جامعه " قولا ثانيا : أنه يلزمه فيه دية مأمومة ويلزمه حكومة هي أكثر من دية منقلة ، فإن استوعب عظم القصبة كلها لزمه مع دية الأنف حكومة القصبة لا يبلغ بها دية الأنف ، لأنها تبع له ، وخرج هذا التعليل أبو علي بن أبي هريرة قولا ثانيا في قصبة الأنف إذا قطعت مع الأنف قولا ثانيا أنه لا يجب فيها إلا دية بناء على اختلاف قولي الشافعي في قطع الحلمة مع الثديين ، وقطع الحشفة مع بعض الذكر ، وليس هذا التحريم بصحيح ، لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن محل الحلمة في الثدي ومحل الحشفة على الذكر ، وليس محل الأنف على القصبة وإن اتصل بها فاختلفا .

                                                                                                                                            والثاني : أنه لما وجب في إيضاح المارن دية موضحة كان التزام الغرم في قطع أصلها أحق .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية