الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : ولو عمد عينه بإصبعه ففقأها اقتص منه لأن الأصبع يأتي منها على ما يأتي به السلاح من النفس وإن لم تنفقئ واعتلت حتى ذهب بصرها أو انتجفت ففيها القصاص .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال إذا فقأ عين رجل بأصبعه وجب عليه القود ، لأن الإصبع يأتي من العين على ما يأتي عليه الحديد من النفس ، والعين تتميز عن غيرها من الجسد وتنفصل كالأعضاء ، فوجب القود فيها كالأطراف لقول الله تعالى : وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين [ المائدة : 45 ] قرأ الكسائي بالرفع ، وقرأ غيره بالنصب ، وهو على قراءة الكسائي ابتداء حكم في شريعتنا ، وعلى قول من قرأ بالنصب إخبار عن شريعة غيرنا ، وهي لازمة لنا في أصح الوجهين ما لم يرد نسخ ، وإذا كان القود فيها واجبا ، فلها حالتان :

                                                                                                                                            إحداهما : أن تنقلع الحدقة بالفقء فيجوز الاقتصاص منها بالإصبع مقابلة للجناية بمثلها ، ويجوز قلعها بالحديد ، لأنه أسهل وأسرع ، فإن المجني عليه يبصر بالعين الأخرى ، جاز أن يتولى الاقتصاص بنفسه ، وإن كان أعمى لا يبصر لم يجز أن يتولاه لخوف تعديه ، وتولاه وكيله .

                                                                                                                                            والحال الثانية : أن تكون الحدقة باقية في موضعها ، وأذهبت الإصبع ضوء بصرها أو كانت الجناية على رأسه فأذهبت ضوء بصره ، أو لطمه على وجهه فذهب ضوء ناظره ، فالقصاص فيه واجب ، لأن ضوء العين يجري منها مجرى الروح من الجسد ، فلما وجب القود بإفاتة الروح مع بقاء الجسد وجب القصاص بإذهاب الضوء مع بقاء العين ، فيفعل بالجاني مثل فعله بإصبع كإصبعه أو لطمة مثل لطمته ، وليس ذلك لوجوب القصاص واللطم ، ولكن ليستوفى باللطم ما يجب فيه القصاص .

                                                                                                                                            فإن ذهبت بالإصبع واللطمة ضوء عين الجاني فقد استوفى منه القصاص .

                                                                                                                                            وإن لم يذهب بها ضوء عينه عدل إلى إذهاب ضوئها بما تبقى معه الحدقة من [ ص: 88 ] علاج ودواء ، فإن لم يذهب إلا بذهاب الحدقة فلا قصاص فيها وعليه ديتها ، لأن ما لم يمكن الاقتصاص منه إلا بالتعدي إلى غيره سقط القصاص فيه لعدم المماثلة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية