الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فأما إذا سقاه سما فمات فالسم على ستة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يكون قاتلا في الغالب منفردا ومع غيره ، فهذا يوجب القود ، ويكون هذا السم من آلة القتل كالسيف .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يكون هذا السم قاتلا بانفراده ، ولا يقتل إذا كسر بغيره ، فيجب به القود إن أفرده ، ولا يجب به القود إن كسره .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن يقتل إذا خلط بغيره ، ولا يقتل إذا أفرد ، فلا يجب به القود إذا أفرد ، ويجب به القود إذا خلط بما يقتل معه .

                                                                                                                                            والقسم الرابع : أن يكون مما يقتل العضو الضعيف ، ولا يقتل الجلد القوي فلا يجب به القود في الجلد القوي ، ويجب به القود في العضو الضعيف .

                                                                                                                                            والقسم الخامس : أن يكون مما يقتل في بعض الفصول في السنة ، ولا يقتل في بعضها فيجب به القود في الفصل القاتل ، ولا يجب في غير الفصل القاتل .

                                                                                                                                            والقسم السادس : أن يكون مما يقتل تارة ، ولا يقتل أخرى فلا يجب به القود ، وتجب فيه الدية ، ويكون كعمد الخطأ ، فإن اختلف الساقي للسم وولي المسقي في السم .

                                                                                                                                            فقال الساقي : ليس بقاتل على ما مضى من أقسام ما لا يقتل .

                                                                                                                                            وقال ولي المسقي : هو قاتل على ما مضى من أقسام ما يقتل ، فإن كان لواحد منهما بينة على ما ادعاه عمل عليها ، وإن عدما البينة فالقول قول الساقي مع يمينه ، لأن الأصل براءة ذمته من قود وعقل .

                                                                                                                                            فلو اتفقا على أنه قاتل وقال الساقي : لم أعلم أنه قاتل ففيه قولان :

                                                                                                                                            [ ص: 86 ] أحدهما : لا قود عليه إذا حلف أنه لم يعلم ، لأنها شبهة محتملة ، وعليه الدية كالخاطئ .

                                                                                                                                            والقول الثاني : عليه القود ، لأنه قد كان يقدر على استعلام حاله فجرى عليه حكم من علم به .

                                                                                                                                            فإذا تقرر ما وصفنا من أقسام السم القاتل وأحكامه في وجوب القود وإسقاطه فالكلام بعده في صفة وصول السم إلى المسموم ، وهو على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون من الساقي إكراه على شربه أو أكله فهو قاتل عمد والقود عليه واجب .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن لا يكون منه إكراه فهذا على ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يدفع السم من يده إلى المسموم فيشربه المسموم فعلى ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون صغيرا أو أبله لا يميز ، ويطيع كل أمر فعلى الساقي القود ، كما لو أمر صبيا أو أبله أن يقتل نفسه فقتلها كان عليه القود .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يكون عاقلا مميزا فللساقي حالتان :

                                                                                                                                            إحداهما : أن يعلمه بأنه سم فيشربه بعد إعلامه به فلا قود على الساقي ولا دية ويكون شارب السم هو القاتل لنفسه ، سواء أعلمه الساقي بعد تسميته بالسم أنه قاتل أو لم يعلمه ، لأن اسم السم ينطلق على ما يقتل .

                                                                                                                                            والحالة الثانية : أن لا يعلمه عند دفعه إليه أنه سم فهو ضامن لديته ، وفي وجوب القود عليه قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : عليه القود لمباشرة الدفع وإخفاء الحال .

                                                                                                                                            والقول الثاني : لا قود عليه لشرب المسموم له باختياره فهذا قسم .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يخلطه الساقي بطعام لنفسه فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يأكله المسموم بغير إذن فلا قود على الساقي ولا دية ، والآكل هو القاتل نفسه .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يأذن له في أكل الطعام فيكون كما لو دفعه من يده ، لأن الإذن في الطعام أمر بأكله فيجب عليه الدية ، وفي وجوب القود قولان .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن يضعه في طعام المسموم فيأكله المسموم ، وهو لا يعلم [ ص: 87 ] بسمه ، فيكون الساقي ضامنا لقيمة الطعام ، لأنه قد صار بالسم كالمستهلك ، وفي ضمانه لنفس المسموم ثلاثة أقاويل :

                                                                                                                                            أحدها : يضمنها بالقود ، وهكذا يكون القتل بالسم في الأغلب .

                                                                                                                                            والقول الثاني : يضمنها بالدية دون القود لعدم المباشرة من جهته .

                                                                                                                                            والقول الثالث : أنه لا ضمان عليه من قود ولا دية ، ويكون الفرق على هذا القول بين وضع السم في طعام الساقي ووضعه في طعام المسموم أنه أكل طعام الساقي بأمره فصار بالأمر ضامنا لديته ، وأكل طعام نفسه بغير أمره فلم يضمن ديته ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية