الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : ولو خرج حيا لأقل من ستة أشهر فكان في حال لم يتم لمثله حياة قط ففيه الدية تامة وإن كان في حال تتم فيه لأحد من الأجنة حياة ففيه الدية ( قال المزني ) هذا سقط من الكاتب عندي إذا أوجب الدية لأنه بحال تتم لمثله الحياة أن تسقط إذا كان بحال لا تتم لمثله حياة .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وصورتها في امرأة ألقت من الضرب جنينا متحركا ، فحركته ضربان : حركة اختلاج ، وحركة حياة ، فحركة الاختلاج لا تجري عليها أحكام الحياة ، وتجب فيه الغرة دون الدية ، وحركة الحياة تجري عليها أحكام الحياة ، ويجب فيها الدية .

                                                                                                                                            والفرق بين حركة الاختلاج ، وحركة الحياة ، أن حركة الاختلاج سريعة تتكرر كالرعشة في اليد ، وتكون في أعضاء الحركة وغيرها .

                                                                                                                                            وحركة الحياة بطيئة لا يسرع تكرارها وتختص بأعضاء الحركة دون غيرها ، فإذا كان في الجنين حركة حياة كملت فيه دية الحي ، وجرى عليه في الميراث حكم الحياة ، [ ص: 403 ] سواء ألقته لستة أشهر فصاعدا في زمان لا تتم حياة مثله .

                                                                                                                                            فأما المزني فإنه اعترض في هذه المسألة ونسب الكاتب إلى الغلط ، وقال : إذا أوجب الشافعي فيه الدية إذا كان في حال تتم لمثله حياة اقتضى أن لا تجب فيه الدية إن كان في حال لا تتم لمثله حياة ، وليس يخلو اعتراضه هذا من أحد أمرين : إما أن يكون مقصورا على تغليط الكاتب وسهوه في النقل وأن الشافعي قد أفصح بذلك في كثير من كتبه ، وليس بمنكر أن يذكر قسمين ويجيب عنهما بجواب واحد لاشتراكهما في معناه .

                                                                                                                                            وإما أن يكون معترضا بذلك في الجواب ويرى أنه إذا لم تتم لمثله حياة لم تجب فيه الدية فهو خطأ منه فيما خالف فيه مذهب صاحبه من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه استوى في الكبير حال ما تطول حياته بالصحة وحال من أشفى على الموت بالمرض في وجوب الدية والقود لاختصاصه بإفاتة حياة محفوظة الحرمة في قليل الزمان وكثيره وجب أن يستوي حال الجنين فيمن تتم حياته أو لا تتم في وجوب الدية ، لأنه قد أفات حياة وجب حفظ حرمتها في قليل الزمان وكثيره .

                                                                                                                                            والثاني : أن وجوب الغرة في الجنين إنما كانت لأنه لم يعلم حياته عند الجناية وجاز أن يكون ميتا قبلها ، وإذا سقط حيا تحققنا وجوبا عند الجناية فاستوى حكم قليلها وكثيرها .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية