الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " والاستبراء أن تمكث عند المشتري طاهرا بعد ملكها ، ثم تحيض حيضة معروفة فإذا طهرت منها فهو الاستبراء . قال الماوردي : وهذا صحيح ، إذا ثبت أن استبراء الأمة واجب ، فملك الرجل أمة بالابتياع ، فمذهب الشافعي ، وأبي حنيفة : أن الاستبراء واجب على المشتري دون البائع ، ويستحب لو استبرأها البائع وإن لم تجب عليه . وقال عثمان البتي : الاستبراء واجب على البائع دون المشتري ، ويستحب أن يستبرئها المشتري . وقال إبراهيم النخعي ، وسفيان الثوري : الاستبراء واجب على البائع وعلى المشتري . وقال مالك : الاستبراء واجب على المواضعة بعد رفع يد البائع ، وقبل دخول يد المشتري . فأما عثمان البتي فاستدل بأنه لما لزم استبراء الحرة قبل عقد النكاح عليها لزم استبراء الأمة أن يكون قبل ابتياع المشتري لها . وأما النخعي ، والثوري ، فإنهما استدلا بأنها تستبرئ نفسها من ماء البائع لتقدم إصابته ، ومن ماء المشتري لمستحدث إصابته فوجب أن تستبرئ نفسها في ملك البائع لحفظ مائه ، وفي ملك المشتري لحفظ مائه . وأما مالك فإنه استدل بأن استبراءها على المواضعة تنوب عن الحقين ، وفي يد أحدهما تنوب عن حقه فكان استيفاء الحقين بالمواضعة أولى من استيفاء أحدهما بالانفراد . ودليلنا على جماعتهم قول النبي صلى الله عليه وسلم : ألا لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تحيض فبطل به قول عثمان البتي ؛ لأنه جعل الحيض مبيحا للوطء ولو كان في يد البائع لكان مانعا من الوطء ، وإنما يبيحه إذا كان في ملك المشتري وبطل به قول سفيان ، وإبراهيم ؛ لأنه أباحها بعد حيضة واحدة ، وعلى قولهما بعد حيضتين ، وبطل به قول مالك ؛ لأنه قال ذلك بعد حصول السبي في ملك الغانمين ، وفي أيديهم ، ولأنه [ ص: 345 ] استبراء عن إصابة ، فإن احتججت به على البتي قلت : فوجب أن يكون بعد زوال الإباحة كالزوجية ، وإن احتججت به على الثوري والنخعي ، قلت : فوجب أن لا يلزم فيه إلا استبراء واحد كالزوجية ، وإن احتججت به على مالك ، قلت : فوجب أن لا يلزم فيه المواضعة كالزوجة . فأما استدلال البتي بالنكاح فالفرق بينه وبين الابتياع وإن كانا بعد زوال الملك من ثلاثة أوجه : أحدها : أن ملك المطلق يزول عن الزوجة إلى غير مالك ، فأمكن تقديم استبرائها على عقد الثاني ، وملك البائع يزول بملك المشتري فلم يمكن تقديم استبرائها على ملك المشتري . والثاني : أن تحريم المنكوحة يمنع من جواز نكاحها ، فلذلك قدم استبراؤها عليه وتحريم الأمة لا يمنع من جواز بيعها ، فجاز تقديمه قبل استبرائها . والثالث : أن المنكوحة تصير فراشا بالعقد فمنع بقاء الاستبراء من صحته ولا تصير الأمة فراشا بالبيع فلم يمنع بقاء الاستبراء من صحته . وأما الثوري ، والنخعي فخالفا موضع الاستبراء ؛ لأنه لا يكون إلا واحدا يتميز له حفظ ما في الرحم على مستحقه وهو لا يستحقه إلا واحد ؛ فلذلك وجب استبراء واحد ، ولو وجب استبراءان لجاز أن يكون لاحقا باثنين ، وهذا مدفوع . وأما مالك فإنه فرق في استبراء الأمة بين القبيحة والمليحة فأوجب المواضعة في المليحة ، ولم يوجبه في القبيحة ، وحكم الاستبراء لا يفترق في القبائح ، والملاح ، ثم يقال له قد منعت به المشتري من قبض ما هو مستحق لقبضه من ملكه بعد قبض ثمنه : وفوت عليه الانتفاع ، وليس منعه من الاستمتاع يدل على منعه من الانتفاع ، وقد يتلف في المواضعة فمن مال أيهما يتلف ، فإن قال من مال البائع ، وهو مذهبه ، قيل : قد أقبض ما باع فلم جعلته تالفا من ماله بعد إقباضه ، فدل ذلك على فساد ما ذهب إليه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية