الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                923 ص: وأما وجه النظر عندنا في ذلك - والله أعلم - فإنا رأينا وقت الظهر الصلوات كلها فيه مباحة، التطوع كله، وقضاء كل صلاة فائتة وكذلك ما اتفق عليه أنه وقت العصر ووقت الصبح مباح قضاء الصلوات الفائتات فيه، وإنما نهي عن التطوع خاصة فيه، فكان كل وقت قد اتفق عليه أنه وقت الصلاة من هذه الصلوات كل قد أجمع أن الصلاة الفائتة تقضى فيه، فلما ثبت أن هذه صفة أوقات الصلوات المجمع عليها، وثبت أن غروب الشمس لا تقضى فيه صلاة [ ص: 203 ] فائتة باتفاقهم؛ خرجت بذلك صفته من صفة أوقات الصلوات المكتوبات وثبت أن لا يصلى فيه صلاة أصلا كنصف النهار وطلوع الشمس، وأن نهي النبي -عليه السلام- عند غروب الشمس ناسخ لقوله -عليه السلام- "من أدرك من العصر ركعة قبل أن تغيب الشمس فقد أدرك العصر" ؛ للدلائل التي شرحناها وبيناها، فهذا هو النظر عندنا، وهو خلاف قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد - رحمهم الله -.

                                                التالي السابق


                                                ش: أشار بهذا الكلام إلى أن وجه النظر والقياس هو ما ذهب إليه الشافعي ومن تبعه من أن وقت العصر إلى أن تتغير الشمس ، وأن وقت الغروب ليس بوقت للعصر، وأن هذا اختياره لنفسه، وقد خالف فيه أبا حنيفة أصحابه، ولذلك قال: فهذا هو النظر عندنا وهو خلاف قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد ، ووجه ما ذكره ظاهر، ولكن قوله: وأن نهي النبي -عليه السلام- عند غروب الشمس ناسخ لقوله -عليه السلام-: "من أدرك من العصر..." الحديث كيف هذا النسخ؛ بل الذي ذكر غيره أن قوله -عليه السلام-: "من أدرك من العصر..." الحديث هو الناسخ لأحاديث النهي؛ وذلك لأن هذا متأخر عن أخبار النهي؛ وذلك لأن أبا هريرة هو الذي روى: "من أدرك ركعة من العصر" وهو متأخر وأخبار النهي عن: عمر بن الخطاب ، وعمرو بن عبسة ، وغيرهما، وإسلامهما قديم، وقد أجيب عن هذا بأن حديث أبي هريرة روي أيضا عن عائشة وهي متقدمة الإسلام فحينئذ يندفع الإشكال.

                                                قلت: هذا غير مقنع، فلا يتم به التقريب.

                                                فإن قيل: على ما ذكره الطحاوي ينبغي أن لا يجوز في حالة الغروب عصر يومه كما لا يجوز عصر أمسه بلا خلاف.

                                                قلت: المفهوم من ظاهر كلامه أنه لا يجوز؛ لأنه قال: وثبت أن لا تصلى فيه صلاة أصلا أي في حالة الغروب، وقوله هذا بعمومه يتناول سائر الصلوات، ولكن المذهب جواز عصر يومه؛ لأنه شرع فيه ناقصا فيجوز له أن يؤدى كاملا بخلاف عصر أمسه، وأنه حين فات ثبت في ذمته كاملا، فلا يجوز أن يؤديه ناقصا.




                                                الخدمات العلمية