الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              1753 [ 926 ] وعن أنس بن مالك ، أن ناسا من الأنصار قالوا يوم حنين حين أفاء الله على رسوله من أموال هوازن ما أفاء ، فطفق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطي رجالا من قريش المائة من الإبل ، فقالوا : يغفر الله لرسول الله يعطي قريشا ويتركنا ، وسيوفنا تقطر من دمائهم .

                                                                                              قال أنس بن مالك : فحدث ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قولهم ، فأرسل إلى الأنصار فجمعهم في قبة من أدم ، فلما اجتمعوا جاءهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : (ما حديث بلغني عنكم ؟) فقال له فقهاء الأنصار : أما ذوو رأينا يا رسول الله فلم يقولوا شيئا ، وأما أناس منا حديثة أسنانهم قالوا : يغفر الله لرسوله يعطي قريشا ويتركنا ، وسيوفنا تقطر من دمائهم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( فإني أعطي رجالا حديثي عهد بكفر أتألفهم ، أفلا ترضون أن يذهب الناس بالأموال وترجعون إلى رحالكم برسول الله ؟ فوالله لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به) .

                                                                                              فقالوا : بلى يا رسول الله ! قد رضينا ، قال : (فإنكم ستجدون أثرة شديدة ، فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله ، فإني على الحوض) قالوا : سنصبر .


                                                                                              وفي رواية : جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأنصار فقال : (أفيكم أحد من غيركم ؟) فقالوا : لا إلا ابن أخت لنا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (إن ابن أخت القوم منهم) ، فقال : (إن قريشا حديث عهد بجاهلية ومصيبة وإني أردت أن أجبرهم وأتألفهم ، أما ترضون أن يرجع الناس بالدنيا وترجعون برسول الله إلى بيوتكم ؟ لو سلك الناس واديا ، وسلك الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار) .

                                                                                              وفي أخرى : فانهزم المشركون وأصاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غنائم كثيرة ، فقسم في المهاجرين والطلقاء ، ولم يعط الأنصار شيئا ، فقالت الأنصار : إذا كانت الشدة فنحن ندعى ويعطى الغنائم غيرنا ، فبلغه ذلك فجمعهم في قبة ، فقال : ما حديث بلغني عنكم ؟ وذكر نحو ما تقدم .

                                                                                              رواه أحمد (3 \ 246)، والبخاري (4331)، ومسلم (1059)، والترمذي (3901) .

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              وقوله : " حين أفاء الله " ; أي رد ورجع ، والفيء : الرجوع ، ومنه سمي الظل بعد الزوال : فيئا ; لأنه رجع من جانب المغرب إلى جانب المشرق .

                                                                                              وكأن الأموال التي بأيدي الكفار كانت بالأصالة للمؤمنين ، إذ الإيمان هو الأصل ، والكفر طارئ عليه ، فغلب الكفار على تلك الأموال ، فإذا غنم المسلمون منها شيئا رجعت إلى نوع من كان ملك أصلها .

                                                                                              وقوله : " فطفق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ; أي : جعل ، وهي من أخوات " كاد " ، إلا أنها [ ص: 104 ] متصلة بالفعل الذي هو خبرها ، وكاد " مقاربة مفارقة . وقد تقدم الكلام عليها . والأدم " : الجلد .

                                                                                              وقوله : ( فإنكم ستجدون أثرة شديدة ) ، روي عن العذري والطبري ، وهي روايتنا : " أثرة " - بفتح الهمزة والثاء . قال أبو عبيد : أي : يستأثر عليكم فيفضل غيركم نفسه عليكم في الفيء . والأثرة : اسم من : آثر يؤثر إيثارا . قال الأعشى :


                                                                                              استأثر الله بالبقاء وبالـ ـعدل وولى الملامة الرجلا

                                                                                              [ ص: 105 ] قال : وسمعت الأزهري يقول : الأثرة : الاستئثار . والجمع : الأثر .

                                                                                              وعند أبي بحر في هذا الحرف بضم الهمزة وسكون الثاء . وأصل الأثرة : الفضل . قال أبو عبيد : يقال : له علي أثرة ; أي : فضل ، ومعناها قريب من الأول . وقيد عن علي أبي الحسين بن سراج الوجهين .

                                                                                              و" الوادي " : مجرى الماء المتسع . والشعب " : الطريق في الجبل . والشعار " : الثوب الذي يلي الجسد . و " الدثار " : الذي يلي الشعار . ومعناه : أن الأنصار هم خاصته - صلى الله عليه وسلم - وبطانته . وليس كذلك غيرهم . و " الطلقاء " : هم الذين [ ص: 106 ] من عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وخلى سبيلهم يوم فتح مكة . وأصله : أنه أطلقهم ، بعدما حصلوا في وثاقه .




                                                                                              الخدمات العلمية