الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              1972 [ 1029 ] وعنه ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال له: صم يوما ولك أجر ما بقي . قال: إني أطيق أكثر من ذلك ، قال: صم يومين ولك أجر ما بقي . قال: إني أطيق أكثر من ذلك ، قال: صم ثلاثة أيام ولك أجر ما بقي . قال: إني أطيق أكثر من ذلك . قال: صم أربعة أيام ولك أجر ما بقي . قال: إني أطيق أكثر من ذلك قال: صم أفضل الصيام عند الله صوم داود ، كان يصوم يوما ويفطر يوما .

                                                                                              رواه مسلم (1159) (192) .

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              وقوله : ( صم يوما ولك أجر ما بقي ) ، قال بعضهم : يعني : لك أجر ما بقي من العشر ، كما تقدم من قوله : ( صم من كل عشرة يوما ، ولك أجر تسعة ) ، وكذلك قال في قوله : ( صم يومين ولك أجر ما بقي ) ; أي : من الشهر .

                                                                                              قلت : وهذا الاعتبار حسن ، جار على قياس تضعيف الحسنة بعشر أمثالها ، غير أنه يفرغ تضعيف الشهر عند صوم الثلاثة ، فيبقى قوله : ( صم أربعة أيام ولك أجر ما بقي ) ، لم يبق له من الشهر شيء فيضاف له عشر من الشهر الآخر ، فكأن قوله : ( ولك أجر ما بقي ) ; يعني : من أربعين ، والله تعالى أعلم .

                                                                                              وقال بعض المتأخرين : إنه يعني بذلك : من الشهر . وعلى هذا يكون صوم الرابع لا أجر فيه . وهو مخالف لقياس تضعيف الحسنة بعشر أمثالها . وما ذكرناه أولى .

                                                                                              [ ص: 231 ] وقوله - صلى الله عليه وسلم - في فطر يومين وصوم يومين : (وددت أني طوقت ذلك) ; أي : أقدرت عليه ، وذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - كانت عليه حقوق كثيرة لأهله مع كثرتهم ، ولضيفانه ، وأصحابه ، وللناس خاصة وعامة ، فكان يتوقع إن التزم ذلك أن يضعف عن تلك الوظائف أو بعضها ; فيقع خلل في تلك الحقوق ، فتمنى أن يقدر على ذلك مع الوفاء بتلك الحقوق . والله تعالى أعلم .

                                                                                              لا يقال : فقد كان قادرا على الوصال ، وهو أشق . ولم يضعف عن القيام بشيء من تلك الحقوق ; لأنا نقول : لم يكن وصاله دائما ، وإنما كان في وقت من الأوقات بخلاف ما تمنى ، فإنه تمناه دائما . ويحتمل : أن هذا كان منه في أوقات مختلفة ، ففي وقت: كان يطيق فيواصل ، وفي وقت يخاف الضعف فيتمنى حتى يحصل له الحظ الأوفر من قوله : (نية المؤمن خير من عمله) ، والله تعالى أعلم .




                                                                                              الخدمات العلمية