الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              2064 [ 1065 ] وعن عبد الله بن أبي قتادة قال: انطلق أبي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عام الحديبية فأحرم أصحابه ولم يحرم وحدث رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن عدوا بغيقة فانطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: فبينما أنا مع أصحابه يضحك بعضهم إلي ، إذ نظرت فإذا أنا بحمار وحش ، فحملت عليه فطعنته فأثبته ، فاستعنتهم فأبوا أن يعينوني ، فأكلنا من لحمها ، وخشينا أن نقتطع فانطلقت أطلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أرفع فرسي شأوا وأسير شأوا ، فلقيت رجلا من بني غفار في جوف الليل ، فقلت: أين رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ؟ قال: تركته بتعهن ، وهو قائل السقيا ، فلحقته ، فقلت: يا رسول الله! إن أصحابك يقرءون عليك السلام ورحمة الله ، وإنهم قد خشوا أن يقتطعوا دونك انتظرهم فانتظرهم ، فقلت: يا رسول الله! إني أصدت ومعي منه فاضلة . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم- للقوم: " كلوا " وهم محرمون .

                                                                                              رواه أحمد (5 \ 190 و 301 )، والبخاري (1821)، ومسلم (1196) (59)، والنسائي (5 \ 186)، وابن ماجه (3093) .

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              وقوله في حديث أبي قتادة : (إن أصحابه أحرموا ، ولم يحرم هو) ، قيل في سبب بقاء أبي قتادة غير محرم أقوال :

                                                                                              أحدها : أنه لم تكن وقتت المواقيت ، وفيه بعد .

                                                                                              وثانيها : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعثه في أصحابه لكشف عدو لهم بجهة الساحل ، على ما ذكره مسلم .

                                                                                              وثالثها : أن أهل المدينة أرسلوه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ليعلمه : أن بعض العرب عزم على غزو المدينة .

                                                                                              وقوله : ( فاستعنتهم ، فأبوا أن يعينوني ) ; دليل على أبي حنيفة ; إذ يرى : أن المعونة لا تؤثر إلا أن يكون الصيد لا يصح دونها . وامتناعهم من المعونة مطلقا ، ومن مناولة السوط ترد عليه ، بل في الرواية الآتية قوله - صلى الله عليه وسلم - : (أمنكم أحد أمره أن [ ص: 281 ] يحمل عليها ، أو أشار إليها ؟) قالوا : لا . قال : (فكلوا) ، ظاهره : أنه لو أعانه أحد لمنعهم من أكلها .

                                                                                              وقد اختلف في وجوب الجزاء على المحرم الدال للحلال ، فقال مالك ، والشافعي ، وأبو ثور : لا شيء عليه . وقال الكوفيون ، وأحمد ، وإسحاق ، وجماعة من الصحابة ، والتابعين : عليه الجزاء . وكذلك اختلفوا في المحرم إذا دل محرما آخر ; فذهب الكوفيون ، وأشهب من أصحابنا : إلى أن على كل واحد منهم جزاء . وقال مالك ، والشافعي وأبو ثور : الجزاء على المحرم القاتل . وكذلك الخلاف فيما لو أعانه بالرمح ، أو بالسوط ، وبأي معونة كانت . وقال بعض شيوخنا : لو أشار إليه ليصيد ; لكان دالا ، ويجري فيه الخلاف المتقدم .

                                                                                              وقوله : ( أرفع فرسي شأوا ، وأسير شأوا ) ; أي : أرفع في سيره ، وأجريه . و (الشأو) : الطلق .

                                                                                              وقوله : ( خشينا أن نقتطع ) ; أي : خفنا أن يحال بيننا وبينهم ، ويقطع بنا عنهم .

                                                                                              وقوله : ( أصدت ) ; أصله : أصطدت ، فأدغمت الطاء في الصاد لتقاربهما .

                                                                                              وقوله - صلى الله عليه وسلم - للقوم : ( كلوا ) وهم محرمون ، وأكله منه وهو محرم ; دليل على من منع المحرم من أكل لحم الصيد . وهو مروي عن عطاء ، وابن عباس ، وجماعة من السلف ، وهو قول سفيان الثوري ، وإسحاق . وذكر نحوه عن مالك والليث .

                                                                                              وقوله : ( فجعل بعضهم يضحك إلى بعض ) ; لم يكن ضحكهم لينبهوه على [ ص: 282 ] الصيد ، وإنما كان - والله أعلم - تعجبا من إتيان هذا الصيد ، وتأتي صائده الحلال له ولم يفطن له . وأما لو ضحك منبها: فقال الداودي : لم يمنع من أكله .

                                                                                              قلت : ولا بعد في أن يقال : إن ذلك كالإشارة ; إذ قد حصل منه ما يحصل من المشير من التنبيه .

                                                                                              وقوله : ( تركته بتعهن ) ، قائل السقيا . قائل : اسم فاعل من القول ، ومن القائلة أيضا ، والأول هو المراد هنا ، والسقيا: مفعول بفعل مضمر ، كأنه قال : اقصدوا السقيا .




                                                                                              الخدمات العلمية