الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              1963 [ 1027 ] وعنه قال: أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أنه يقول: لأقومن الليل ، ولأصومن النهار ما عشت ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : أنت الذي تقول ذلك ؟ فقلت له: قد قلته يا رسول الله! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : فإنك لا تستطيع ذلك فصم وأفطر ونم وقم ، صم من الشهر ثلاثة أيام ، فإن الحسنة بعشر أمثالها ، وذلك مثل صيام الدهر . قال: قلت: فإني أطيق أفضل من ذلك قال: صم يوما وأفطر يومين . قال: قلت: فإني أطيق أفضل من ذلك يا رسول الله! قال: صم يوما وأفطر يوما ، وذلك صيام داود ، وهو أعدل الصيام ، قال: قلت: فإني أطيق أفضل من ذلك ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : لا أفضل من ذلك . قال عبد الله بن عمرو: لأن أكون قبلت الثلاثة الأيام التي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : أحب إلي من أهلي ومالي .

                                                                                              وفي رواية قال: فإن بحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام قلت: يا نبي الله! إني أطيق أفضل من ذلك . قال: فإن لزوجك عليك حقا ولزورك عليك حقا ولجسدك عليك حقا ، قال: فصم صوم داود نبي الله ، فإنه كان أعبد الناس قال: قلت: يا نبي الله! وما صوم داود ؟ قال: كان يصوم يوما ويفطر يوما قال: واقرأ القرآن في كل شهر ، قال: قلت: يا نبي الله! إني أطيق أفضل من ذلك ، قال: فاقرأه في كل عشرين قال: قلت: يا نبي الله إني أطيق أفضل من ذلك . قال: فاقرأه في عشر قال: قلت: يا نبي الله! إني أطيق أفضل من ذلك . قال: فاقرأه في سبع ، ولا تزد على ذلك ، فإن لزوجك عليك حقا . قال: فشددت ، فشدد علي . قال: وقال النبي - صلى الله عليه وسلم- : إنك لا تدري لعلك يطول بك عمر قال: فصرت إلى الذي قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم- ، فلما كبرت وددت أني كنت قبلت رخصة النبي - صلى الله عليه وسلم- .


                                                                                              زاد في رواية : بعد قوله ثلاثة أيام : فإن بكل حسنة عشر أمثالها ، فذلك الدهر كله .

                                                                                              رواه أحمد (2 \ 188)، والبخاري (3418)، ومسلم (1159) (181 و 182 ) .

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              وقوله في صوم داود : ( هو أعدل الصيام ) ; من جهة حفظ القوة ، ووجدان صوم مشقة العبادة ، وإذا كان أعدل في نفسه فهو عند الله أفضل وأحب ، ولا صوم فوقه في الفضل ، كما جاءت هذه الألفاظ ، وهي كلها متقاربة في مدلولها ، وهو بلا شك نقل بالمعنى . ومضمون هذه الألفاظ : أن هذا الصوم أعدل في نفسه وأكثر في ثوابه .

                                                                                              وقوله : ( لأن أكون قبلت الثلاثة الأيام أحب إلي من أهلي ) ; هذا إنما قاله [ ص: 228 ] عبد الله لما انتهى من العمر إلى الكبر ، الذي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أخبره به بقوله : ( إنك لا تدري لعله يطول بك عمر ) ; قال : فصرت للذي قال النبي - صلى الله عليه وسلم - . قال : فلما كبرت وددت أني كنت قبلت رخصة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وهذا من عبد الله يدل على: أنه كان قد التزم الأفضل مما نقله إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - والأكثر إما بحكم التزامه الأول إذ قال : ( لأصومن الدهر ، ولأقومن الليل ما عشت ) ، وإما بحكم أنه هو الحال الذي فارق النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه ، وكره أن ينقص من عمل فارق النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه ، فلم ير أن يرجع عنه وإن كان قد ضعف عنه ، والله تعالى أعلم .

                                                                                              وقوله : ( اقرأ القرآن في كل شهر ) ، ثم قال بعد ذلك : ( فاقرأه في كل عشرين ) ، ثم قال : ( فاقرأه في سبع ) ; هكذا في أكثر روايات مسلم . ووقع في كتاب ابن أبي جعفر ، وابن عيسى زيادة : (قال : فاقرأه في عشر ) ، وبعد ذلك قال له : ( اقرأه في سبع ) . ومقصود هذه الرواية بيان تجزئة القرآن على ليالي الشهر [ ص: 229 ] بالنسبة إلى التخفيف والتثقيل . فالمخفف يقرؤه في كل شهر ; لا أقل من ذلك ، والمثقل لا يزيد على سبع ; كما قد نهاه عنه ، ولم يتعرض الراوي في هذه الرواية لبيان مقدار زمان القيام من الليل ، وقد بينه راو آخر في الرواية التي قال فيها : ( أحب الصلاة إلى الله صلاة داود : كان يرقد شطر الليل ، ويقوم ثلثه ، وينام سدسه ) .

                                                                                              وقوله : ( فاقرأه في سبع ولا تزد ) ; ذهب إلى منع الزيادة على السبع كثير من العلماء . واختار بعضهم قراءته في ثمان ، وكان بعضهم يختم في خمس ، وآخر في ست ، وبعضهم يختم في كل ليلة . وكأن من لم يمنع الزيادة على السبع حمل قوله : ( لا تزد ) على أنه من باب الرفق ، وخوف الانقطاع ، فإن أمن ذلك جاز بناء على: أن ما كثر من العبادة والخير فهو أحب إلى الله . والأولى ترك الزيادة أخذا بظاهر المنع ، واقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يرو عنه: أنه ختم القرآن كله في [ ص: 230 ] ليلة ، ولا في أقل من سبع ، وهو أعلم بالمصالح والأجر . وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، فقد يعطي على القليل ما لا يعطي على الكثير ، لا سيما وقد تبينت مصلحة القلة ، والمداومة . وآفة الكثرة الانقطاع .




                                                                                              الخدمات العلمية