الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              1782 [ 941 ] وعن أنس بن مالك ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بتمرة بالطريق ، فقال : ( لولا أن تكون من الصدقة لأكلتها) .

                                                                                              رواه أحمد (3 \ 119)، والبخاري (2055)، ومسلم (1071)، وأبو داود (1651-1652) .

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              وقوله - صلى الله عليه وسلم - وقد وجد تمرة في الطريق - : ( لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها ) ; هذا منه - صلى الله عليه وسلم - ورع وتنزه . وإلا فالغالب تمر غير الصدقة ; لأنه الأصل ، وتمر الصدقة قليل ، والحكم للغالب في القواعد الشرعية .

                                                                                              وفيه دليل : على أن اللقطة اليسيرة التي لا تتعلق بها نفس فاقدها لا تحتاج إلى تعريف . وأنها تستباح من غير ذلك ; لأنه علل امتناعه من أكلها: هو خوفه أن تكون من الصدقة ، ثم إن دليل خطابه أنها لو سلمت من ذلك المانع لأكلها .

                                                                                              وهذه الأحاديث كلها مع قوله : ( إن الصدقة لا تنبغي لمحمد ، ولا لآل محمد ) ; تدل على أن الصدقة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله محرمة . وهل يعم التحريم الواجبات وغيرها ، أو يخص الواجبة ؟ اختلف فيه : فذهب مالك وأبو حنيفة في أحد قوليه: إلى أن المحرم الواجبة فقط .

                                                                                              وحكى ابن القصار عن بعض أصحابنا : أن المحرم صدقة التطوع دون الفريضة ; لأنها لا منة فيها .

                                                                                              وقال أبو حنيفة أيضا : إنها كلها حلال لبني هاشم وغيرهم . وإنما كان ذلك محرما عليهم ; إذ كانوا يأخذون سهم ذي القربى ، فلما قطع عنهم حلت لهم ، ونحوه عن الأبهري من شيوخنا . وروي عن أبي يوسف : أنها حرام عليهم من غيرهم ، حلال لهم صدقة بعضهم على بعض .

                                                                                              قلت : والظاهر من هذه الأحاديث أنها محرمة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله ، فرضها ونفلها ; تمسكا بالعمومات . ومن جهة المعنى: بأن الصدقة أوساخ [ ص: 125 ] الناس ، وبأن اليد العليا خير من اليد السفلى ، ولا يد أعلى من يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا أيدي آله . فقد أكرمهم الله ، وأعلى مقاديرهم ، وجعل أيديهم فوق كل يد . وسهم ذي القربى واجب إخراجه وإيصاله إليهم على كل من ولي شيئا من أمور المسلمين إلى يوم القيامة . فلو منعوا ولم يقدروا على إيصالهم إلى حقوقهم وجب سد خلاتهم ، والقيام بحاجاتهم على أهل القدرة من المسلمين لا على وجه الصدقة ، بل على جهة القيام بالحقوق الواجبة في الأموال ، ويكون حكمهم كحكم الحقوق المرتبة على بيت مال المسلمين ، فلا يوصل إليها لفكاك الأسارى ونفقة اللقطاء ، وسد خلات الضعفاء والفقراء إذا لم يوصل إلى أخذ ذلك من بيت المال .

                                                                                              واختلف في: من آل النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال مالك وأكثر أصحابه : هم بنو هاشم خاصة ، ومثله عن أبي حنيفة ، واستثني آل أبي لهب . وقال الشافعي : هم بنو هاشم ، ويدخل فيهم بنو المطلب أخي هاشم دون سائر بني عبد مناف ; لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (أنا وبنو المطلب شيء واحد) ، ولقسم النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم مع بني هاشم سهم ذي القربى دون غيرهم . ونحا إلى هذا بعض شيوخنا المالكية . وقال أصبغ : هم عشيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - الأقربون الذين أمر بإنذارهم : آل قصي ، قال : وقيل : قريش كلها .

                                                                                              قلت : وفي " الأم " : أن زيد بن أرقم سئل عن أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - من هم ؟ فقال : أهل بيته من حرم الصدقة بعده ، قال : ومن هم ؟ قال : هم آل علي ، وآل [ ص: 126 ] عقيل ، وآل جعفر ، وآل عباس ، فقال : كل هؤلاء حرم الصدقة ؟ قال : نعم .

                                                                                              وهذا يؤيد قول مالك . فإن هؤلاء كلهم بنو هاشم .

                                                                                              واختلف في مواليهم ، فمالك والشافعي يبيحانها لهم ، والكوفيون وكثير من أصحاب مالك يحرمونها عليهم .




                                                                                              الخدمات العلمية