الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وفي الخبر صدقة السر تطفئ غضب الرب وقال تعالى وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم وفائدة الإخفاء الخلاص من آفات الرياء والسمعة ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : لا يقبل الله من مسمع ولا مراء ولا منان .

التالي السابق


(وفي الخبر) عنه صلى الله عليه وسلم: (صدقة السر تطفئ غضب الرب) أورده صاحب القوت قال: ويروى: صدقة الليل، قال الطيبي: يمكن حمل إطفاء الغضب على المنع من إنزال المكروه في الدنيا ووخامة العاقبة في العقبى من إطلاق السبب على المسبب، كأنه نفى الغضب وأراد الحياة الطيبة في الدنيا والجزاء الحسن في العقبى. اهـ .

قال العراقي: رواه الطبراني من حديث أبي أمامة، ورواه أبو الشيخ في الثواب، والبيهقي في الشعب من حديث أبي سعيد، وكلاهما بسند ضعيف، والترمذي، وحسنه من حديث أبي هريرة: إن الصدقة لتطفئ غضب الرب. ولابن حبان نحوه من حديث أنس، وهو ضعيف أيضا. قلت: ورواه الطبراني في الصغير عن عبد الله ابن جعفر العسكري في السرائر عن أبي سعيد، ولفظ الترمذي وابن حبان عن أنس: إن الصدقة لتطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء. وقال الترمذي: غريب .

قال عبد الحق: راويه: أبو خلف منكر الحديث، وقال [ ص: 115 ] ابن حجر: أعله ابن حبان والعقيلي وابن طاهر وابن القطان، وقال ابن عدي: لا يتابع عليه، وسيأتي الكلام على هذا الحديث في باب صدقة التطوع، ونذكر هناك ما المراد بالغضب، وكيف إطفاؤه، والقصة التي جرت لبعض علماء المغرب، وقد أخبر الله سبحانه أن الإخفاء أفضل، ومعه يكون تكفير السيئات، (وقال) الله (تعالى) : إن تبدوا الصدقات فنعما هي أي: فنعم شيئا إبداؤها (وإن تخفوها وتؤتوها) أي: تعطوها (الفقراء) مع الإخفاء (فهو خير لكم) ونكفر عنكم من سيئاتكم؛ أي: فالإخفاء خير لكم، وهذا في التطوع ولمن لم يعرف بالمال، فإن إبداء الفرض لغيره أفضل لنفي التهم كما سيأتي .

وروى ابن أبي حاتم في التفسير وابن مردويه وابن عساكر عن الشعبي في هذه الآية: نزلت في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما: اتل عمر، فجاء بنصف ماله حتى دفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: ما خلفت وراءك لأولادك يا عمر؟ قال: خلفت لهم نصف مالي، وأما أبو بكر رضي الله عنه، فجاء بماله كله حتى كاد أن يخفيه عن نفسه، حتى دفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: ما خلفت وراءك يا أبا بكر؟ قال: عدة الله وعدة رسوله، فبكى عمر وقال: بأبي أنت يا أبا بكر، والله ما استبقنا إلى باب خير قط إلا كنت سابقا. اهـ .

وقد تقدم سياق هذه القصة من رواية أبي داود بنحو من هذا عند قول المصنف: بينكما كما بين كلمتيكما، وليس فيه حتى كاد أن يخفيه، وبهذه الزيادة يظهر سر سبب النزول (وفائدة الإخفاء الخلاص من آفة الرياء والسمعة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: لا يقبل الله من مسمع) بالتشديد كمحدث (ولا مراء ولا منان) هكذا هو في القوت، ولفظه: وقد جاء في الخبر، ثم ساقه، ثم قال: فجمع بين المنة والسمعة كما جمع بين السمعة والرياء، ورد بهن الأعمال، فالمسمع الذي يتحدث بما صنعه من الأعمال ليستمعه من لم يكن رآه، فيقوم ذلك مقام الرؤية للعمل فهو مشتق من السمع، كالرياء مشتق من الرؤية، فسوى بينهما في إبطال العمل؛ لأنهما عن ضعف اليقين؛ إذ لم يكتف المسمع بعلم مولاه كما لم يقنع المرائي بنظره فأشرك فيه سواه، وألحق المنان بهما حالان في المنة معناهما من أنه ذكره، فقد سمع غيره به أو رأى نفسه في العطاء، فما فخر به وأراه غيره فقد رأياه اهـ .

وقال العراقي: لم أظفر به هكذا اهـ .




الخدمات العلمية