الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما شروط وقوع الحج نفلا عن الحر البالغ فهو بعد براءة ذمته عن حجة الإسلام فحج ، الإسلام متقدم ثم القضاء لمن أفسده في حالة الوقوف ثم النذر ثم النيابة ثم النفل ، وهذا الترتيب مستحق ، وكذلك يقع وإن نوى خلافه .

وأما شروط لزوم الحج فخمسة البلوغ والإسلام ، والعقل ، والحرية ، والاستطاعة .

ومن لزمه فرض الحج لزمه فرض العمرة

التالي السابق


(وأما شرط وقوع الحج نفلا عن الحر البالغ فهو براءة ذمته عن حجة الإسلام ، فمن عليه حجة الإسلام) ليس له أن يحج عن غيره ، وكذا من عليه حجة نذر أو قضاء . وقال مالك وأبو حنيفة : يجوز التطوع بالحج قبل أداء الفرض ، ويجوز لمن عليه الحج أن يحج عن غيره . وأظهر ما روي عن أحمد مثل مذهب الشافعي ، ودليل أصحاب الشافعي ما روي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم "سمع رجلا يقول : لبيك عن شبرمة قال : من شبرمة ؟ قال : أخ لي أو قريب لي قال : أحججت عن نفسك ؟ قال : لا . قال : حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة " وفي رواية : "هذه عنك وحج عن شبرمة " دل الحديث على أنه لا بد من تقديم فرض نفسه على ما استؤجر له ، وفهم منه أنه لا بد من تقديم فرضه على ما يتطوع به ، والعمرة إذا قيل بوجوبها كالحج في جميع ذلك ، ثم أشار المصنف إلى أن الترتيب لا بد منه بقوله : (فحجة الإسلام تتقدم في حق من يتأهل لها ثم) حجة (القضاء لما أفسده في حالة الرق) وصورة اجتماعهما أن يفسد الرقيق حجه ثم يعتق فعليه القضاء ، ولا يجزئه عن حجة الإسلام ، فإن القضاء يتلو تلو الأداء (ثم) حجة (النذر) أي كذلك حجة الإسلام تقدم على حجة النذر ، ولو اجتمعا مع حجة الإسلام قدمت هي ، ثم القضاء الواجب بأصل الشرع ، ثم حجة النذر ؛ تقديما للأهم فالأهم (ثم) حجة (النيابة عن الغير ثم) حجة (النفل ، وهذا الترتيب مستحب ، وكذلك يقع وإن نوى خلافه) وتردد الإمام في تقديم القضاء على النذر ، وتابعه المصنف في الوسيط ، والصحيح ما ذكره في الوجيز وههنا ، فإذا عرفت ذلك فاعلم أنه لو أستأجر المعضوب من يحج عن نذره وعليه حجة الإسلام فنوى الأجير النذر وقع عن حجة الإسلام ، ولو استأجر من لم يحج عن نفسه وهو الذي يسمى صرورة ليحج عن المستأجر فنوى الحج عنه لغت إضافته ، ووقع عن الأخير دون المستأجر ، وفي رواية عن أحمد : لا يقع عنه ، ولا عن المستأجر ، بل يلغو ، ولو نذر صرورة أن يحج في هذه السنة ففعل وقع عن حجة الإسلام ، وخرج عن نذره ، وليس في نذره إلا تعجيل ما كان له أن يؤخره ، ولو استأجر الصرورة للحج في الذمة جاز والطريق أن يحج عن نفسه ، ثم عن المستأجر في سنة بعدها ، وإجارة العين تفسد ، فإنه يتعين لها السنة الأولى ، فإن إجارة السنة القابلة لا تجوز ، فإذا فسدت الإجارة نظر إن ظنه قد حج فبان صرورة لم يستحق أجرة لتغريره ، وإن علم أنه صرورة وقال : يجوز في اعتقادي أن يحج الصرورة عن غيره فحج الأجير يقع عن نفسه كما تقدم ، ولكن في استحقاقه أجرة المثل قولان أو وجهان ، ولو استأجر للحج من يحج ولم يعتمر أو للعمرة من يعتمر ولم يحج فقرن الأجير وأحرم بالنسكين جميعا عن المستأجر ، أو أحرم بما استؤجر له عن المستأجر وبالآخر عن نفسه ، فقد حكى صاحب التهذيب وغيره فيه قولان : الجديد : أنهما يقعان عن الأجير لأن نسكي القران لا يتفرقان لاتحاد الإحرام ، ولا يمكن صرف ما لم يأمر به المستأجر إليه . والثاني : أن ما استؤجر له يقع عن المستأجر ، والآخر عن الأجير ، وعلى القولين لو استأجر رجلان من حج واعتمر ، أحدهما ليحج عنه والآخر ليعتمر عنه فقرن عنهما ، فعلى الأول يقعان عن الأجير ، وعلى الثاني يقع عن كل واحد منهما ما استأجر له ، ولو استأجر المعضوب رجلين ليحجا عنه في سنة واحدة ، أحدهما حجة الإسلام ، والآخر حجة قضاء أو نذر ففيه وجهان : أحدهما لا يجوز ؛ لأن حجة الإسلام لا يتقدم عليها غيرها ، وأظهرهما ويحكى عن نصه في الأم الجواز ؛ لأن غيرها لا يتقدم عليها ، وهذا القدر هو المرعي ، فعلى الأول إن أحرم الأجيران معا انصرف إحرامهما لأنفسهما ، وإن يسبق إحرام أحدهما وقع ذلك عن حجة الإسلام عن المستأجر وانصرف إحرام الآخر إلى نفسه .

[ ص: 291 ] ولو أحرم الأجير عن المستأجر ثم نذر حجا نظر ، إن نذر بعد الوقوف لم ينصرف حجه إليه ووقع عن المستأجر ، وإن نذر قبله فوجهان : أظهرهما انصرافه إلى الأجير ، ولو أحرم الرجل بحج تطوع ثم نذر حجا بعد الوقوف لم ينصرف إلى النذر ، وإن كان قبله فعلى الوجهين ، ولو استأجر المعضوب من يحج عنه تلك السنة ، وأحرم الأجير عن نفسه تطوعا ، فقد روى الإمام عن شيخه أن إحرامه ينصرف إلى المستأجر ؛ لأن حجة الإجارة في هذه السنة مستحقة عليه ، والمستحق في الحج مقدم على غيره ، وعن سائر الأصحاب أنه لا ينصرف ؛ لأن استحقاقه ليس من حكم الوجوب يؤول إلى الحج ، وإنما يتقدم واجب الحج على تطوعه إذا رجع الوجوب إلى نفس الحج ، والله أعلم .

(وأما شروط لزوم الحج فخمسة : الإسلام ، والبلوغ ، والعقل ، والحرية ، والاستطاعة) فلا يلزم على الكافر والصبي والمجنون والعبد وعادم الاستطاعة (فمن لزمه فرض الحج لزمه فرض العمرة) اعلم أن في كون العمرة من فرائض الإسلام قولين : أصحهما : وبه قال أحمد ، أنها من فرائضه كالحج ، وروي عن ابن عباس أنها كقرينتها في كتاب الله عز وجل : وأتموا الحج والعمرة لله وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "الحج والعمرة فريضتان " والثاني : وبه قال أبو حنيفة أنها سنة لما روي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن العمرة أواجبة هي ؟ فقال : "لا وأن تعتمر خير لك " فهو أولى والأول هو القول الجديد والثاني القديم وإذا قلنا بالوجوب فهي في شرائط مطلق الصحة وصحة المباشرة والوجوب والإجزاء عن عمرة الإسلام على ما ذكر في الحج وفي قوله : فمن لزمه فرض الحج إشارة إلى أن شرائط وجوب العمرة كشرائط وجوب الحج وأن الاستطاعة الواحدة كافية لهما جميعا .




الخدمات العلمية