الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
النوع الثاني : زكاة المعشرات .

فيجب العشر في كل مستنبت مقتات بلغ ثمانمائة من ولا شيء فيما دونها ولا في الفواكه والقطن ولكن في الحبوب التي تقتات وفي التمر والزبيب .

ويعتبر أن تكون ثمانمائة من تمرا أو زبيبا لا رطبا وعنبا ، ويخرج ذلك بعد التجفيف .

التالي السابق


(النوع الثاني: زكاة المعشرات ففيها العشر في كل مستنبت مقتات) ، اعلم أن الأئمة ضبطوا ما يجب فيه العشر بقيدين، أحدهما: أن يكون قوتا، والثاني: أن يكون من جنس ما ينبته الآدميون، قالوا: فإن فقد الأول كبزر القطونا أو الثاني كالقت على ما سيأتي تفسيره أو كلاهما كحب الرشاد فلا زكاة، وإنما يحتاج إلى ذكر القيدين من أطلق القيد الأول، فأما من قيده فقال: أن يكون قوتا في حال الاختيار كما سيأتي فلا يحتاج إلى الثاني؛ إذ ليس فيما لا يستنبت ما يقتات اختيارا، واعتبر العراقيون مع القيدين قيدين آخرين: أحدهما: أن يدخره، والثاني: أن ييبس، ولا حاجة إليهما؛ فإنهما لازمان لكل مقتات مستنبت، كذا في الروضة .

ثم إنه لا يكفي في وجوب الزكاة كون الشيء مقتاتا على الإطلاق، بل إن المعتبر أن يقتات على الاختيار، فقد يقتات الشيء في حال الضرورة فلا زكاة فيه كالقت وحب الحنظل وسائر بذور البرية، واختلف في تفسير القت، فقال المزني وطائفة: هو حب الغاسول، وهو الأشنان، وقال آخرون: هو حب أسود يابس يدفن فيلين قشره فيزال ويطحن ويخبز، يقتاته أعراب طيئ، ثم أشار المصنف إلى اعتبار النصاب في المعشرات، فقال: (بلغ ثمانمائة من) هكذا بتشديد النون في لغة بني تميم، ويثنى منان ويجمع أمنان، وهو عبرة خمسة أوسق، الوارد في الحديث الذي رواه مسلم: ليس في حب ولا تمر صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق. والوسق ستون صاعا، الصاع خمسة أرطال وثلث بالبغدادي، فالخمسة ألف وستمائة رطل بالبغدادي، والمن رطلان فنصف الألف، والستمائة ثمانمائة، فصح أن الخمسة الأوسق عبرتها ثمانمائة بالحساب المتقدم، والأصح عند الأكثرين أن هذا القدر تحديد، وقيل: تقريب، فعلى التقريب يحتمل نقصان القليل كالرطلين، وحاول إمام الحرمين ضبطه، فقال: الأوسق الأوقار، والوقر المقتصد ثلاثمائة وعشرون رطلا، فكل نقص لو وزع على الأوسق الخمسة لم تعد منحطة عن حد الاعتدال لا يضر، وإن عدت منحطة ضر، وإن أشكل فيحتمل أن يقال: لا زكاة حتى تتحقق الكثرة، ويحتمل أن يقال: يجب إبقاء الأوسق. قال: وهذا أظهر، ثم قال إمام الحرمين: الاعتبار فيما علقه الشرع بالصاع والمد بمقدار موزون يضاف إلى الصاع والمد بما لا يحوي المد ونحوه، وذكر الروياني وغيره أن الاعتبار بالكيل لا بالوزن، وهذا هو الصحيح، قال أبو العباس الجرجاني: إلا العسل إذا أوجبنا فيه الزكاة، فالاعتبار فيه بالوزن، وتوسط صاحب العدة، فقال: هو على التحديد في الكيل وعلى التقريب في الوزن، وإنما قدره العلماء استظهارا .

قال النووي في زيادات الروضة: الصحيح اعتبار الكيل كما صححه، وبهذا قطع الدارمي، وصنف في هذه المسألة رسالة، وسيأتي مزيد الإيضاح في قدر رطل بغداد في زكاة الفطر، والأصح أنه مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم، وعلى هذا الأوسق الخمسة بالرطل الدمشقي ثلاثمائة واثنان وأربعون رطلا ونصف رطل وثلث رطل وسبع أوقية، وقال القمولي: وقدر النصاب بإردب مصر ستة أرادب وربع إردب، بجعل القدحين صاعا كزكاة الفطر وكفارة اليمين، وقال السبكي في شرح المنهاج: خمسة أرادب ونصف وثلث، فقد اعتبرت القدح المصري بالمد الذي حررته فوسع مدين وسبعا تقريبا [ ص: 34 ] فالصاع قدحان إلا سبعي مد، فكل خمسة عشر مدا سبعة أقداح، وكل خمسة عشر صاعا ويبة ونصف، فثلاثون صاعا ثلاث ويبات ونصف وثلث، فالنصاب على قول السبكي خمسمائة وستون قدحا، وعلى قول القمولي ستمائة، وهو المعلوم، والله أعلم .

(ولا شيء فيما دونها) أي: الثمانمائة من (و) كذا (لا) شيء (في الفواكه) كالتين والسفرجل والخوخ والتفاح والجوز واللوز والرمان بلا خلاف (و) غيرها من الثمار مثل (القطن) والكتان، وبزر القطونا وحب الرشاد والكمون والكزبرة والبطيخ والقثاء والسلق والجزر والقنبيط وحبوبها وبزرها بلا خلاف أيضا، ومن المختلف فيه الزيتون، فالجديد المشهور لا زكاة فيه، والقديم يجب ببدو صلاحه، وهو نضجه واسوداده، ويعتبر فيه النصاب عند الجمهور، وخرج ابن القطان النصاب فيه وفي سائر ما يختص القديم بإيجاب الزكاة فيه على قولين، ثم إن كان الزيتون مما لا يجيء منه الزيت كالبغدادي أخرج عشره زيتونا، وإن كان مما يجيء منه الزيت كالشامي فثلاثة أوجه، الصحيح المنصوص القديم أنه إن شاء أخرج الزيت وإن شاء الزيتون، والزيت أولى، والثاني يتعين الزيت، والثالث يتعين الزيتون بدليل أنه يعتبر النصاب بالزيتون دون الزيت بالاتفاق، ومنها الزعفران والورس فلا زكاة فيهما على الجديد المشهور، وقال في القديم: يجب إن صح الحديث في الورس، فإن أوجبنا فيه ففي الزعفران قولان، فإن أوجبنا فيهما فالمذهب أنه لا يعتبر النصاب، بل يجب في القليل .

وقيل: فيه قولان، ومنها العسل لا زكاة فيه على الجديد، وعلق القول فيه في القديم، وقطع أبو حامد وغيره بنفي الزكاة قديما وجديدا، فإن أوجبنا فاعتبار النصاب كما سبق ومنها القرطم، وهو حب العصفر، الجديد: لا زكاة فيه، والقديم: يجب. فعلى هذا المذهب في اعتبار النصاب كسائر الحبوب، وفي العصفر نفسه طريقان، قيل: كالقرطم، وقيل: لا يجب قطعا، ومنها الترمس، الجديد: لا زكاة فيه، والقديم: يجب، ومنها حب الفجل، حكى ابن كج: وحبوب الزكاة فيه على القديم ولم أره لغيره، كذا في الروضة .

(ولكن في الحبوب التي تقتات) كالحنطة والشعير والأرز والعدس والحمص والباقلا والدخن والذرة واللوبيا والماش والجلبات، (وفي) ثمار الأقوات من النخل والعنب (التمر والزبيب) أشار به إلى الحال الذي يعتبر فيه بلوغ المعشر خمسة أوسق إن كان نخلا أو عنبا اعتبر تمرا أو زبيبا (لا رطبا وعنبا، ويخرج بعد التجفيف) ، أما إذا كان يتجفف رديئا، ففيه وجهان؛ أحدهما: يعتبر بنفسه بلوغه نصابا وإن كان حشفا، والثاني: بأقرب الأرطاب إليه، فأما إذا كان يفسد بالكلية، فيتعين الوجه الأصح، وهو توسيقه رطبا، ولا خلاف في ضم ما لا يجفف منهما إلى ما يجفف في تكميل النصاب، هذا في التمر والزبيب، أما الحبوب فيعتبر بلوغها نصابا بعد التصفية من التبن، ثم قشورها من أضرب: أحدها: قشر لا يدخر الحب فيه ولا يؤكل معه، فلا يدخل في النصاب، والثاني: قشر يدخر الحب فيه ويؤكل كالذرة، فيدخل القشر في الحساب، فإنه طعام وإن كان قد يزال كما تقشر الحنطة، وفي دخول القشرة السفلى من الباقلا في الحساب وجهان؛ قال في العدة: المذهب لا تدخل الثالثة قشر يدخر الحب فيه، ولا يؤكل معه، ولا يدخل في حساب النصاب، ولكن يؤخذ الواجب فيه كالعلس والأرز، العلس بالعين المهملة واللام على وزن جبل، وهو نوع من الحنطة يكون في القشر منه حبتان، وقل ما يكون واحدة وثلاثا كما في المصباح، قال الشافعي في الأم: يبقى يابس العلس على كل حبتين منه كمام لا يزول إلا بالرحى الخفيفة أو بمهراس، وادخاره في ذلك الكمام أصلح له، وإذا أزيل كان الصافي نصف المبلغ فلا يكلف صاحبه إزالة ذلك الكمام عنه، ويعتبر بلوغه بعد الدياس عشرة أوسق ليكون الصافي منه خمسة أوسق .

وعن أبي حامد أنه قد يخرج منه الثلث فيعتبر بلوغه قدرا يكون الخارج منه نصابا .




الخدمات العلمية