الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما وجوه أداء الحج والعمرة فثلاثة .

الأول الإفراد وهو الأفضل وذلك أن يقدم الحج وحده ، فإذا فرغ خرج إلى الحل فأحرم واعتمر وأفضل الحل لإحرام العمرة الجعرانة ثم التنعيم ثم الحديبية وليس على المفرد دم إلا أن يتطوع .

التالي السابق


(وأما وجوه أداء الحج والعمرة فثلاثة) اعلم أن من أحرم بنسك لزمه فعل أمور وترك أمور والنظر في الأمور المفعولة من وجهين : أحدهما : في كيفية أعمالها ، والثاني : في كيفية آدابها باعتبار القران بينهما وعدمه ، فلا جرم حصر الكلام في ثلاثة ، وإنما انقسم أداء النسكين إلى الوجوه الثلاثة لأنه إما يقرن بينهما وهو المسمى قرانا ، أو لا يقرن فإما أن يقدم الحج على العمرة وهو الإفراد ، أو يقدم العمرة على الحج وهو التمتع ، وفيه شروط ستظهر من بعد ، والوجوه جميعا جائزة بالاتفاق ، وقد أشار المصنف إلى تلك الوجوه بقوله : (الأول الإفراد وهو الأفضل) كما سيأتي الكلام عليه قريبا (وذلك) أي : الإفراد (أن يقدم الحج وحده ، فإذا فرغ) من أعماله (خرج إلى الحل فأحرم واعتمر) وقال في الوجيز : الإفراد أن يأتي بالحج منفردا من ميقاته ، وبالعمرة مفردة من ميقاتها .

قال الرافعي : أراد مثلها ولا يلزمه العود إلى ميقات بلده ، وفيما علق عن الشيخ أبي محمد أن أبا حنيفة يأمره بالعود ويوجب دم الإساءة إن لم يعد (وأفضل الحل) أي أحب البقاع من أطراف الحل (لإحرام العمرة الجعرانة) بكسر الجيم وسكون العين المهملة وتخفيف الراء ، واقتصر عليه أبو يعلى في البارع ، ونقله جماعة عن الأصمعي ، وهو [ ص: 303 ] مضبوط كذلك في "المحكم " ، وعن ابن المديني : العراقيون يثقلون الجعرانة والحديبية ، والحجازيون يخففونها ، فأخذ به المحدثون على أن هذا اللفظ ليس فيه تصريح بأن التثقيل مسموع من العرب ، وليس للتثقيل ذكر في الأصول المعتمدة عن أئمة اللغة ، إلا ما حكاه في المحكم تقليدا له في الحديبية ، وفي العباب : الجعرانة بسكون العين . وقال الشافعي : المحدثون يخطئون في تشديدها ، وكذلك قال الخطابي ، وهو موضع بين مكة والطائف على سبعة أميال من مكة ، كذا في "المصباح " ، وقال الرافعي في الشرح عليه : ستة فراسخ من مكة (ثم التنعيم) وهو بلفظ المصدر : اسم موضع قرب مكة ، وهو أقرب أطراف الحل إليها ، وبينه وبين مكة أربعة أميال ، وقيل : ثلاثة ، ويعرف بمساجد عائشة ، كذا في "المصباح " . وقال الرافعي : على فرسخ من مكة وهو على طريق المدينة ، وفيه مسجد عائشة رضي الله عنها . (ثم الحديبية) اسم بئر قرب مكة على طريق جدة دون مرحلة ، ثم أطلق على الموضع ، ويقال : بعضه في الحل وبعضه في الحرم وهو أبعد ، ونقل الزمخشري عن الواقدي أنها على سبعة أميال من المسجد ، وقال الطبري في كتاب "دلائل القبلة " : حد الحرم من طريق المدينة ثلاثة أميال ، ومن طريق جدة عشرة أميال ، ومن طريق الطائف سبعة أميال ، ومن طريق اليمن سبعة أميال ، ومن طريق العراق سبعة أميال . وأهل الحجاز يخففون .

قال الطرطوشي : هي مخففة . وقال ثعلب : لا يجوز فيها غيره . وهذا هو المنقول عن الشافعي ، وقال السهيلي : التخفيف أعرف عند أهل العربية ، قال : وقال أبو جعفر النحاس : سألت كل من لقيت ممن أثق بعلمه من أهل العربية ، فلم يختلفوا على أنها مخففة ، ونقل البكري التخفيف عن الأصمعي أيضا ، وأشار بعضهم إلى أن التثقيل لم يسمع في فصيح ، كذا في المصباح ، وقال الرافعي : الأفضل لإحرام العمرة من أطراف الحل الجعرانة ، فإن لم يتفق فمن التنعيم ، فإن لم يتفق فمن الحديبية .

قال النووي في زيادة الروضة : هذا هو الصواب ، وأما قول صاحب التنبيه : والأفضل أن يحرم بها من التنعيم فغلط ، والله أعلم .

قلت : وقول صاحب التنبيه موافق لقول أصحابنا ، ثم قال الرافعي : وليس النظر فيها إلى مسافة ، بل المتبع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد نقلوا أنه اعتمر منالجعرانة مرتين ؛ عمرة القضاء سنة سبع ، ومرة عمرة هوازن ، ولما أرادت عائشة رضي الله عنها أن تعتمر أمر أخاها عبد الرحمن أن يعمرها من التنعيم ، فأعمرها منه ، وصلى بالحديبية عام الحديبية وأراد الدخول فيها للعمرة فصده المشركون عنها ، فقدم الشافعي -رحمه الله- ما فعله ، ثم ما أمر به ثم ما هم به (وليس على المفرد دم) لأنه لم يجمع بين النسكين (إلا أن يتطوع) على نفسه .




الخدمات العلمية