الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم يأتي قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيقف عند وجهه وذلك بأن يستدبر القبلة ، ويستقبل جدار القبر على نحو من أربعة أذرع من السارية التي في زاوية جدار القبر ويجعل القنديل على رأسه وليس من السنة أن يمس الجدار ولا أن يقبله بل الوقوف من بعد أقرب للاحترام فيقف ويقول السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا نبي الله ، السلام عليك يا أمين الله ، السلام عليك يا حبيب الله ، السلام عليك يا صفوة الله ، السلام عليك يا خيرة الله ، السلام عليك يا أحمد السلام السلام عليك يا محمد السلام عليك يا أبا القاسم السلام عليك يا ماحي السلام عليك يا عاقب السلام عليك يا حاشر السلام عليك يا بشير السلام عليك يا نذير السلام عليك يا طهر السلام عليك يا طاهر السلام عليك يا أكرم ولد آدم السلام عليك يا سيد المرسلين ، السلام عليك يا خاتم النبيين ، السلام عليك يا رسول رب العالمين ، السلام عليك يا قائد الخير السلام عليك يا فاتح البر السلام عليك يا نبي الرحمة السلام عليك يا هادي الأمة السلام عليك يا قائد الغر المحجلين السلام عليك وعلى أهل بيتك الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا السلام عليك وعلى أصحابك الطيبين وعلى أزواجك الطاهرات أمهات المؤمنين جزاك الله عنا أفضل ما جزى نبيا عن قومه ورسولا عن أمته وصلى عليك كلما ذكرك الذاكرون ، وكلما غفل عنك الغافلون ، وصلى عليك في الأولين والآخرين أفضل وأكمل وأعلى وأجل وأطيب وأطهر ما صلى على أحد من خلقه كما استنقذنا بك من الضلالة وبصرنا بك من العماية وهدانا بك من الجهالة أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنك ، عبده ورسوله وأمينه وصفيه وخيرته من خلقه ، وأشهد أنك قد بلغت الرسالة ، وأديت الأمانة ، ونصحت الأمة ، وجاهدت عدوك وهديت أمتك وعبدت ربك حتى أتاك اليقين فصلى الله عليك ، وعلى أهل بيتك الطيبين وسلم وشرف وكرم وعظم وإن كان قد أوصى بتبليغ سلام فيقول السلام عليك من فلان السلام عليك من فلان .

ثم يتأخر قدر ذراع ويسلم على أبي بكر الصديق رضي الله عنه لأن رأسه عند منكب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأس عمر رضي الله عنه عند منكب أبي بكر رضي الله عنه .

، ثم يتأخر قدر ذراع ويسلم على الفاروق عمر رضي الله عنه ويقول السلام عليكما يا وزيري رسول الله صلى الله عليه وسلم والمعاونين له على القيام بالدين ما دام حيا والقائمين في أمته بعده بأمور الدين تتبعان في ذلك آثاره وتعملان بسنته فجزاكما الله خير ما جزى وزيري نبي عن دينه ثم يرجع فيقف عند رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم بين القبر والأسطوانة اليوم ويستقبل القبلة وليحمد الله عز وجل وليمجده وليكثر من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يقول : اللهم إنك قد قلت وقولك الحق ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما اللهم إنا قد سمعنا قولك ، وأطعنا أمرك ، وقصدنا نبيك متشفعين به إليك في ذنوبنا ، وما أثقل ظهورنا من أوزارنا تائبين من زللنا معترفين بخطايانا وتقصيرنا فتب اللهم علينا ، وشفع نبيك هذا فينا وارفعنا بمنزلته عندك وحقه عليك .

اللهم اغفر للمهاجرين والأنصار ، واغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان اللهم لا تجعله آخر العهد من قبر نبيك ومن حرمك يا أرحم الراحمين .

ثم يأتي الروضة فيصلي فيها ركعتين ويكثر ، من الدعاء ما استطاع لقوله صلى الله عليه وسلم : ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ، ومنبري على حوضي ويدعو عند المنبر

التالي السابق


(ثم يأتي قبر النبي صلى الله عليه وسلم) ، من ناحية القبلة (فيقف عند وجهه) ، ويسمى ذلك بالمواجهة (وذلك بأن يستدبر القبلة، ويستقبل جدار القبر) ، ويتباعد عنه قليلا (على نحو أربعة أذرع) وهو اختيار المصنف وقال غيره: نحو [ ص: 418 ] ثلاثة أذرع (من السارية التي في زاوية جدار القبر) ، وهذا قبل أن يعمل عليه شباك من صفر ، ( و) عن ابن أبي فديك قال: أخبرني عمر بن حفص أن ابن أبي مليكة كان يقول: من أحب أن يقوم تجاه النبي صلى الله عليه وسلم (فليجعل القنديل) الذي في القبلة عند القبر (على رأسه) ، ونقله كذلك ابن الجوزي في مثير العزم، وقال: وثم ما هو أوضح من القنديل وهو مسمار من صفر في حائط القبر إذا حاذاه القائم كان القنديل فوق رأسه اهـ .

وليكن نظره إلى أسفل ما يستقبله من القبر (وليس من السنة أن يمس الجدار ولا أن يقبله ) كما تقوله العامة (بل الوقوف من بعد أقرب إلى الاحترام) والتوقير (فيقف ويقول) في تسليمه عليه: السلام غير رافع صوته، بل يكون مقتصرا، والمروي عن الأولين الإيجاز في ألفاظهم عند التسليم .

روي عن مالك أنه قال: يقول المسلم: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، وعن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا قدم من سفر دخل المسجد، ثم أتى القبر، فقال: (السلام عليك يا رسول الله) السلام عليك يا أبا بكر السلام عليك يا أبتاه، وإن قال ما يقوله الناس وهو الذي ذكره المصنف هذا فلا بأس إلا أن الاتباع أولى من الابتداع ولو حسن، قال أبو عبد الله الحليمي: لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تطروني" لوجدنا فيما يثنى به عليه ما يكل الألسن عن بلوغ مداه لكن امتثال نهيه خصوصا بحضرته أولى، فليعدل عن التوسع في ذلك إلى الدعاء له .

فقد روى ابن أبي فديك قال: سمعت بعض من أدركت يقول: بلغنا أن من وقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يقول: صلى الله عليك يا محمد يقولها سبعين مرة ناداه ملك: صلى الله عليك يا فلان ولم تسقط له حاجة، ثم إن الذي زيد على القدر المذكور عن السلف هو ما ذكره المصنف بعد قوله: السلام عليك يا رسول الله (السلام عليك يا نبي الله، السلام عليك يا أمين الله، السلام عليك يا حبيب الله، السلام عليك يا صفوة الله، السلام عليك يا خيرة الله، السلام عليك يا أحمد ) ، وهو اسمه الشريف الذي لم يسم به أحد قبله (السلام عليك يا محمد ) وهو أشهر أسمائه صلى الله عليه وسلم، (السلام عليك يا أبا القاسم ) ، وهو من أشهر كناه صلى الله عليه وسلم (السلام عليك يا ماحي) ، وقد ورد تفسيره في الحديث بأنه الذي يمحو الله به الكفر حقيقة بأن يزال من بلاد العرب وما والاها أو حكما بأن يخمد ويهد (السلام عليك يا عاقب) وهو الآتي بعد الأنبياء فلا نبي بعده (السلام عليك يا بشير السلام عليك يا نذير السلام عليك يا طهر) ، وهو بالضم اسم من طهر، ومعناه النقاء من الدنس (السلام عليك يا طاهر) وهو وما قبله بمعنى (السلام عليك يا أكرم ولد آدم) عليه السلام (السلام عليك يا سيد المرسلين، السلام عليك يا خاتم النبيين، السلام عليك يا رسول رب العالمين، السلام عليك يا قائد الخير) أي يقود الخير إلى أهله فزمامه بيده لا ينفك، أو المعنى قائد أهل الخير أي متقدمهم ومتبوعهم، (السلام عليك يا فاتح البر) بالكسر الخير والفضل أي فاتح أبوابه ومقرب أسبابه (السلام عليك يا نبي الرحمة) ; لأنه به تمت مظاهر الرحمة الحقية على خلقه، (السلام عليك يا سيد الأمة) أي رئيسهم ومطاعهم، (السلام عليك يا قائد الغر المحجلين) أي: قائدهم إلى الجنة، أو المعنى متقدمهم ومتبوعهم والغر جمع الأغر، والغرة في الأصل بياض في الفرس، والمراد هنا مطلق بياض الوجه، والتحجيل بياض في القوائم وفي الصحيح: إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من أثر الوضوء (السلام عليك وعلى أهل بيتك الذين أذهب الله عنهم الرجس) القذر والنتن حسا ومعنى، (وطهرهم تطهيرا) أشار به إلى قوله تعالى: ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا (السلام عليك وعلى أصحابك الطيبين) الموصوفين بالطيب حسا ومعنى (وعلى أزواجك الطاهرات) حسا ومعنى (أمهات المؤمنين) لقوله تعالى: وأزواجه أمهاتهم (جزاك الله عنا أفضل ما جازى نبيا عن قومه ورسولا عن أمته) أي أهل ملته (وصلى) الله (عليك كلما ذكرك الذاكرون، وكلما غفل عن ذكرك الغافلون، وصلى) الله (عليك في الأولين والآخرين أفضل وأكمل وأعلى وأجل وأطيب وأطهر ما صلى على أحد من خلقه كما استنقذنا بك) ، [ ص: 419 ] أي خلصنا (من الضلالة) هي ضد الرشد (وبصرنا بك) ، أي: فتح أبصارنا (من العماية) ، وهي الحيرة، (وهدانا بك من الجهالة) ، وهي عدم الاهتداء للحق (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأنك عبده ورسوله وأمينه) على وحيه النازل من السماء (وصفيه وخيرته) ، أي: مختاره (من خلقه، وأشهد أنك قد بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وجاهدت عدوك) ، وهم الكفار والمشركون أعداء الدين إذ كان قد أمر بجهادهم، (وهديت أمتك) على الطريق الواضح المبين، (وعبدت ربك حتى أتاك اليقين) أي: الموت، كما في أحد الأقوال في تفسير قوله تعالى واعبد ربك حتى يأتيك اليقين (فصلى الله عليك، وعلى أهل بيتك الطيبين الطاهرين وكرم وشرف وعظم) هذا آخر ما يقوله الزائر في المواجهة الشريفة، (وإن كان قد أوصى بتبليغ سلام) من أحد أحبابه، (فليقل) بعد الدعاء المذكور: (السلام عليك) يا رسول الله (من فلان) بن فلان (أو فلانة) بنت فلانة فقد جرى بذلك العمل في السلف، والخلف، وكانت الملوك تبرد لتبليغ السلام بريدا لينوب عنه في إبلاغ السلام .

روي ذلك عن عمر بن عبد العزيز كان يبرد البريد من الشام، يقول: سلم لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه ابن الجوزي في مثير العزم، وهذه أخبار فيما جاء في السلام عليه صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه. أخرجه أبو داود، وعن ابن مسعود - رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام.

أخرجه ابن حبان، وأحمد، وعن سليمان بن سحيم، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقلت: يا رسول الله هؤلاء الذين يأتونك يسلمون عليك أتعلم سلامهم، قال: نعم. وأرد عليهم.

أخرجه سعيد بن منصور، وعن أبي طلحة قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مسرور فقال: إن الملك جاءني، فقال: يا محمد إن الله تعالى يقول: أما ترضى أن لا يصلي عليك أحد من عبادي صلاة إلا صليت عليه بها عشرا، ولا يسلم عليك تسليمة إلا سلمت عليه بها عشرا، فقلت: بلى أي رب.

أخرجه ابن حبان (ثم ليتأخر) الزائر (قدر ذراع) على هينته، وليسلم على صاحبه ورفيقه وخليفته (أبي بكر الصديق رضي الله عنه) ، واختلف في اسمه على أقوال، وهو مشهور بكنيته; (لأن رأسه عند منكب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأس عمر) بن الخطاب (- رضي الله عنه - عند منكب أبي بكر - رضي الله عنه -، ثم يتأخر قليلا قدر ذراع ويسلم على الفاروق عمر رضي الله عنه) ، وإنما لقب بالفاروق لتفريقه بين الحق والباطل، وتفصيله بين الأمور، وقال شارح الدلائل: ما ملخصه اختلف أهل السير وغيرهم في صفة القبور الثلاثة على نحو سبع روايات أصحها روايتان: الأولى ما عليه الأكثر، وجزم به غير واحد أن قبره صلى الله عليه وسلم مقدم إلى جدار القبلة وقبر أبي بكر - رضي الله عنه - حذاء منكبيه صلى الله عليه وسلم وقبر عمر - رضي الله عنه - حذاء منكبي أبي بكر - رضي الله عنه - قال: وعلى هذا اقتصر الغزالي في الإحياء والنووي في الأذكار وصفته هكذا [ ص: 420 ] صلى الله عليه وسلم .

أبو بكر - رضي الله عنه -

عمر - رضي الله عنه-

قال السيد السمهودي: وهذه الصفة هي أشهر الروايات، والثانية ما رواه أبو داود والحاكم وصحح إسناده عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدم، وأبو بكر - رضي الله عنه - رأسه بين كتفيه صلى الله عليه وسلم، وعمر - رضي الله عنه - رأسه عند رجليه صلى الله عليه وسلم قال السمهودي: وهذا أرجح ما روي عن القاسم بن محمد، ثم صورها عن ابن عساكر هكذا:

صلى الله عليه وسلم

عمر - رضي الله عنه -

أبو بكر - رضي الله عنه -

قال السمهودي: فهاتان أرجح ما ورد في ذلك، وصور الحافظ أبو الفرج بن الجوزي بوضعها هكذا:

صلى الله عليه وسلم

أبو بكر - رضي الله عنه -

عمر -رضي الله عنه -

[ ص: 421 ] ونسب الحافظ ابن حجر هذه الصفة إلى الأكثر، وما عدا هذه الثلاثة ضعيف اهـ. وصور صاحب الدلائل صفة الروضة المشرفة وعزاها إلى عروة بن الزبير هكذا:

صلى الله عليه وسلم

أبو بكر - رضي الله عنه -

عمر - رضي الله عنه -

ثم قال هكذا ذكره عروة بن الزبير، قال: دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في السهوة، ودفن أبو بكر - رضي الله عنه - خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودفن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عند رجلي أبي بكر - رضي الله عنه -، وبقيت السهوة الشرقية فارغة فيها موضع قبر يقال -والله أعلم-: إن عيسى ابن مريم عليه السلام يدفن فيه.

وكذلك جاء في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالت عائشة رضي الله عنها: رأيت ثلاثة أقمار سقوطا في حجرتي فقصصت رؤياي على أبي بكر - رضي الله عنه -، فقال لي: يا عائشة ليدفنن في بيتك ثلاثة هم خير أهل الأرض، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفن في بيتي، قال لي أبو بكر: هذا واحد من أقمارك، وهو خيرهم صلى الله عليه وسلم اهـ .

وعلم من سياق شارح الكتاب أن هذه الصفة التي اختارها صاحب الدلائل من الروايات الضعيفة حتى قال: إن ما ذكره عن عروة بن الزبير لم أقف عليه، وفي سياق عروة خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتمل المساواة وعدمها لكن في بعض النسخ زيادة: مؤخر قليلا كأنه عند منكبيه، وقوله: وبقيت السهوة الشرقية فارغة ظاهره أن البيت فيه سهوتان غربية وشرقية، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفن في الغربية، ويحتمل أن يكون المراد: وبقيت السهوة الشرقية أي الجهة الشرقية من السهوة، فأطلق اسم الكل على البعض فتأمل (ويقول) في السلام عليهما (السلام عليكما يا وزيري رسول الله صلى الله عليه وسلم) .

قد تقدم أن الوزير من يحمل عن الملك ثقل التدبير، واختلف في اشتقاقه، فقيل: من الوزر وهو السلاح سمي به لثقله، وقيل غير ذلك، وقد ورد: لي وزيران في السماء، ووزيران في الأرض، أما في السماء فجبريل وميكائيل، وأما في الأرض فأبو بكر وعمر (والمعاونين له على القيام بالدين) ، أي: النصرة له في إقامته (ما دام حيا) ، أي: في حياته (القائمين في أمته بعده بأمور الدين) ، وشرائع الإسلام وناهيك بما حصل في خلافة الصديق - رضي الله عنه - من ارتداد طوائف العرب، ومنعهم الزكاة ومقاتلته لهم، وقوله: والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه، فلم يزل بهم حتى قطع شأفتهم، وردهم إلى خالص الدين، وبما حصل في زمان عمر - رضي الله عنه - من الفتوحات الجليلة، وتمصير الأمصار وامتداد شوكة الإسلام حتى دخلت الناس فيه أفواجا من سائر الأقطار، (تتبعان في ذلك آثاره وتعملان بسنته) ، أي: طريقته الواضحة (فجزاكما الله خير ما جزى وزراء نبي عن دينه) ، ووزراء الأنبياء عليهم السلام خلفاؤهم المتبعون آثارهم المحبون طريقتهم، (ثم يرجع) إلى الموضع الذي كان فيه (فيقف عند رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم بين القبر) الشريف (و) بين (الأسطوانة) الموجودة (اليوم) ، أي: في زمان المصنف (ويستقبل القبلة) هناك، ويستدبر القبر الشريف (وليحمد [ ص: 422 ] الله عز وجل) بمحامده اللائقة به، (وليمجده) تمجيدا حريا بجنابه، (وليكثر من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم) ، في تضاعيف الحمد والتمجيد، (ثم ليقل: اللهم إنك قلت وقولك الحق) في كتابك المنزل على لسان نبيك المرسل، ( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما اللهم إنا قد سمعنا قولك، وأطعنا أمرك، وقصدنا نبيك مستغيثين به إليك من) وفي بعض النسخ: في (ذنوبنا، وما أثقل ظهورنا من أوزارنا) التي ارتكبناها (تائبين من زللنا معترفين بخطايانا وتقصيرنا فتب اللهم علينا، وشفع نبيك هذا فينا) ، ويشير بذلك إلى حضرته صلى الله عليه وسلم بالتفات وجهه إليه (وارفعنا) أي: ارفع قدرنا (بمنزلته) وجاهه ومكانته (عندك وحقه عليك) ، وهذا من باب الفضل والامتنان وإلا فلا حق لمخلوق على الخالق، (اللهم اغفر للمهاجرين والأنصار، واغفر لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان) من سائر الإخوان (اللهم لا تجعله آخر العهد من قبر نبيك) صلى الله عليه وسلم، (ولا من حرمك) يعني مكة، (يا أرحم الراحمين) ، وإن لم يستحضر هذا الدعاء فليدع بما أحب وألهمه الله على لسانه وقلبه .

وأخرج أبو أحمد بن عساكر، عن محمد بن كعب الهلالي، قال: دخلت المدينة فأتيت قبر النبي صلى الله عليه وسلم فزرته، وجلست بحذائه، فجاء أعرابي فزاره، ثم قال: يا خير الرسل إن الله أنزل عليك كتابا صادقا، وقال فيه: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما ، وإني جئتك مستغفرا لديك من ذنوبي، مستشفعا بك إلى الله فيها، ثم بكى وأنشأ يقول:


يا خير من دفنت بالقاع أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكم


نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم

ثم استغفر وانصرف فرقدت، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في نومي وهو يقول: الحق الرجل فبشره بأن الله قد غفر له بشفاعتي، فاستيقظت فخرجت أطلبه فلم أجده (ثم ليأت الروضة ويصلي فيها، وليكثر من الدعاء ) ، بما أحب واختار (ما استطاع) منه (لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة، وقوله صلى الله عليه وسلم: منبري على حوضي ) .

جعل المصنف كل واحد حديثا منفردا، والذي في الصحيحين كلاهما حديث واحد، ولذا قال العراقي: متفق عليهما من حديث أبي هريرة وعبد الله بن زيد اهـ .

قال الحافظ ابن حجر: إنما اتفق عليهما بلفظ: بيتي لا قبري اهـ. قلت: وبيته قبره، وقد جاء هكذا كما عند المصنف في بعض روايات هذا الحديث، وعند أحمد من حديث جابر - رضي الله عنه - رفعه: ما بين منبري إلى حجرتي روضة من رياض الجنة، وإن منبري على ترعة من ترع الجنة، وعنده أيضا في رواية من حديث عبد الله بن زيد مرفوعا: ما بين هذه البيوت يعني بيوته إلى منبري روضة من رياض الجنة، وعنده أيضا عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قواعد منبري رواتب في الجنة.



(تنبيه)

قوله: " ما بين بيتي ومنبري روضة" يحتمل أن يكون ذلك الموضع ينتقل بعينه إلى الجنة .

ويحتمل أن يريد العمل فيه بطاعة الله تعالى يكون سببا لنيل ذلك كذا ذكره الخطابي، وابن عبد البر وذكر الأخير عن بعض العلماء لما كان جلوسه وجلوس الناس إليه يتعلمون القرآن والدين والإيمان هناك شبه ذلك الموضع بالروضة لكرم ما يجتنى فيه وأضافه إلى الجنة لأنها تؤول إلى الجنة، وقوله: ومنبري على حوضي، قيل: يحتمل أن منبره بعينه الذي كان في الدنيا، وهو الأظهر وعليه أكثر الناس، وقيل: إن هناك منبرا على حوضه، وقيل: إن قصد منبره، والحضور عنده لملازمة الأعمال الصالحة تورد الحوض وتوجب الشرب منه، والله أعلم .

فإنه أحد المواضع التي يستجاب فيها الدعاء.




الخدمات العلمية