الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الخامس : كمال النصاب .

أما الإبل .

فلا شيء فيها حتى تبلغ خمسا ، ففيها جذعة من الضأن ، والجذعة هي التي تكون في السنة الثانية ، أو ثنية من المعز وهي التي تكون في السنة الثالثة .

وفي عشر شاتان وفي خمس عشرة ثلاث شياه .

وفي عشرين أربع شياه .

وفي خمس وعشرين بنت مخاض ، وهي التي في السنة الثانية فإن لم يكن في ماله بنت مخاض فابن لبون ذكر وهو الذي في السنة الثالثة يؤخذ إن كان قادرا على شرائها وفي ست وثلاثين ابنة لبون .

ثم إذا بلغت ستا وأربعين ففيها حقة وهي التي في السنة الرابعة .

فإذا صارت إحدى وستين ففيها جذعة ، وهي التي في السنة الخامسة .

فإذا صارت ستا وسبعين ففيها بنتا لبون .

فإذا صارت إحدى وتسعين ففيها حقتان .

فإذا صارت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون .

فإذا صارت مائة وثلاثين فقد استقر الحساب ففي كل خمسين حقة ، وفي كل أربعين بنت لبون .

التالي السابق


(الخامس: كمال النصاب) أي: تمامه بتقدير النبي صلى الله عليه وسلم (أما الإبل) يتناول البخت والعراب، وإنما قدم ذكر الإبل على البقر لكثرة استعمالها عند العرب، ولأنها أشرف أموالهم (فلا شيء فيها حتى تبلغ خمسا، فإذا بلغت خمسا ففيها جذعة من الضأن، والجذعة) محركة والذال معجمة (هي التي تكون في السنة الثانية، أو ثنية من المعز وهي التي تكون في السنة الثالثة) ، وفي مختار الصحاح قال ابن الأعرابي: الأجذع وقت ليس بسن ينبت ولا يسقط، فالعفاق تجذع لسنة، وربما أجذعت قبل تمامها للخصب، فتسمن فيبرع أجذاعها فهي جذعة، ومن الضاب إذا كان من شابين [ ص: 23 ] يجذع لستة أشهر إلى سبعة، وإذا كان من هرمين أجذع من ثمانية إلى عشرة اهـ .

وفسره صاحب الهداية من أصحابنا بما أتى عليه أكثر السنة، وفي الأجناس للناطفي: هو ما تم له ثمانية أشهر، وقال الزعفراني: ما تم له سبعة أشهر، وقال الأقطع: الجذع عند الفقهاء ما له ستة أشهر .

قال في البحر: وهو الظاهر، وأما الثني كغني ما تم له سنة وهي ثنية، والغنم اسم جنس يقع على الذكر والأنثى، شامل للضأن والمعز، والضأن اسم للذكر، والنعجة للأنثى، والمعز بالفتح والتحريك نوع من الغنم، والضأن والمعز وإن كانا مختلفي النوع لكنهما متفقان في الحكم، أي: في تكميل النصاب، ثم إن تعبير المصنف بهذا هنا، مع أن النص ورد في حديث أنس عند البخاري وغيره في كل خمس ذود شاة، وهكذا عبر به في الوجيز وتبعه النووي في الروضة، وهكذا هو في كتب أصحابنا، واسم الشاة يقع على الذكر والأنثى كما سيأتي بيانه في زكاة الغنم، وقال الخطيب في شرح المنهاج: وإنما وجبت الشاة وإن كان وجوبها على خلاف الأصل للرفق بالفريقين؛ لأن إيجاب البعير يضر بالمالك وإيجاب جزء من بعير، وهو الخمس مضر به وبالفقراء ا ه .

وقال شارح المختار من أصحابنا: وإنما وجب الشاة مع أن الأصل في الزكاة أن يجب في كل نوع منه؛ لأن الإبل إذا بلغت خمسا كان مالا كثيرا لا يمكن إخلاؤه عن الواجب، ولا يمكن إيجاب واحدة منها؛ لما فيه من الإجحاف، ولأنه يكون خمسا، وفي إيجاب الشقص ضرر عيب الشركة، زاد في السراج في شرح القدوري: وقيل: لأن الشاة كانت تقوم بخمسة دراهم ذلك الوقت، وبنت المخاض بأربعين درهما، وإيجاب الشاة في الخمس من الإبل كإيجاب الخمسة في المائتين من الدراهم، (وفي عشر) من الإبل (شاتان) أي: لا تزيد الزكاة إذا زادت الإبل فوق الخمس إلا إذا بلغت عشرا، فإذا بلغته ففيها شاتان (وفي خمس عشرة ثلاث شياه، وفي عشرين أربع شياه، وفي خمس وعشرين بنت مخاض، وهي التي تكون) أي: تدخل (في السنة الثانية) ، اعلم أن المخاض اسم للنوق الحوامل وأحدثها خلفة، لا واحد لها من لفظها، وبنت مخاض وابن مخاض ما دخل في السنة الثانية؛ لأن أمه لحقت بالمخاض وهي الحوامل وإن لم تكن حاملا، وقيل: هو الذي حملت أمه أو حملت الإبل التي معها أمه وإن لم تحمل هي، وهذا هو المعنى في قولهم: بنت مخاض؛ لأن الناقة الواحدة لا تكون بنت نوق، فالمراد أن يكون في وقت قد حملت النوق التي وضعت مع أمها، وإن لم تكن أمها حاملا، فنسبتها إلى الجماعة بحكم مجاورتها أمها، وإنما سمي ابن مخاض في السنة الثانية؛ لأن العرب إنما كانت تحمل على الإبل بعد وضعها بسنة ليشتد ولدها، فهي تحمل في الثانية وتمخض فيكون ولدها ابن مخاض (فإن لم يكن في المال بنت مخاض فابن لبون ذكر) ، ذكر الذكر تأكيدا، وقيل: احترازا من الخنثى، فقد أطلق عليه الاسمان، وقيل: منها على بعض الذكورية في الزكاة مع ارتفاع السن، وقيل: لأن الولد يقع على الذكر والأنثى، ثم قد يوضع الابن موضع الولد فيعبر به عن الذكر والأنثى، فقيد به ليزول الالتباس، وقيل: لأن "ابن" يقال لذكر بعض الحيوانات وإناثه كابن آوى وابن عرس، لا يقال بنت آوى وبنت عرس، فرفع الإشكال بذكر الذكر (وهو) أي: ابن لبون من ولد الناقة (الذي يكون) يدخل بعد أن استكمل الثانية (في السنة الثالثة) ، والأنثى بنت لبون، سمي بذلك؛ لأن أمه ولدت غيره فصار لها لبن، وجمع الذكر كالإناث بنات لبون، وهو نكرة وتعرف بالألف واللام، قال الشاعر:

وابن اللبون إذا ما لز في قرن لم يستطع صولة البزل القناعيس

(يؤخذ وإن كان قادرا على شرائها) ، وعبارة الوجيز: فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض أنثى، فإن لم يكن في ماله بنت مخاض فابن لبون ذكر، (وفي ست وثلاثين) إلى خمس وأربعين (بنت لبون ثم إذا بلغت ستا وأربعين) إلى ستين (ففيها حقة) بالكسر (وهي التي) تكون (في السنة الرابعة) ، قال الخطابي: الحق بالكسر هو الذي استكمل السنة الثالثة، قاله الهروي، وقيل: هو ما كان ابن ثلاث سنين وقد دخل في الرابعة، وقيل: ما دخل في الرابعة إلى آخرها، والأنثى حقة، والجمع حقاق، وجمع [ ص: 24 ] الحقة حقق، كسدرة وسدر، وسميت حقة؛ لأنها استحقت أن يضربها الفحل، وقيل: لأنها تستحق الحمل والركوب، وقيل: لأن أمها استحقت الحمل من العام المقبل (فإذا صارت إحدى وستين) إلى خمسة وسبعين (ففيها جذعة، وهي التي في السنة الخامسة) ، هكذا فسره الخطابي في معالم السنن، وإنما سميت بها؛ لأنها لا يستوفى ما يطلب منها إلا بضرب تكلف وحبس، مأخوذ من قولك: جذعت الدابة إذا حبستها من غير علف .

قال شارح المختار من أصحابنا: وهذه الأسنان صغار كلها لا تجوز في الضحايا، وإنما تجوز التضحية بالثني، وهو ما استكمل الخامسة ودخل في السادسة، (فإذا صارت ستا وسبعين) إلى تسعين (ففيها بنتا لبون، فإذا صارت إحدى وتسعين) إلى عشرين ومائة (ففيها حقتان، فإذا صارت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون) بهذا اشتهرت كتب الصدقات من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما اختار الشرع ذلك تيسيرا على أرباب المواشي، وجبرت ذلك بالأنوثة؛ لأن الأنوثة تعد فضلا في الإبل .

كذا ذكره فخر الإسلام في المبسوط (فإذا صارت مائة وثلاثين فقد استقر الحساب) ثم يدور الحساب على الأربعينيات والخمسينيات (ففي كل خمسين حقة، وفي كل أربعين بنت لبون) ، وفيه خلاف لأبي حنيفة ومالك وأحمد ووجه في المذهب، قال في الوجيز بعد ما ذكر هذا، وكل ذلك لفظ أبي بكر رضي الله عنه في كتاب الصدقة، وبنت المخاض لها سنة، وبنت اللبون لها سنتان، وللحقة ثلاث، وللجذعة أربع اهـ .

والحديث الذي أشار إليه هو ما أخرجه البخاري وابن ماجه من حديث عبد الله بن المثنى الأنصاري عن عمه ثمامة، وأخرجه أبو داود والنسائي من طريق حماد، وهو ابن سلمة، واللفظ لأبي داود قال: أخذت من ثمامة بن عبد الله بن أنس كتابا زعم أن أبا بكر رضي الله عنه كتبه لأنس وعليه خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثه مصدقا وكتب له، فإذا فيه: هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين التي أمر الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم، فمن سألها من المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سأل فوقها فلا يعطه فيما دون خمس وعشرين من الإبل، الغنم في كل خمس ذود شاة، فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها ابنة مخاض إلى أن تبلغ خمسا وثلاثين، فإن لم يكن فيها بنت مخاض فابن لبون ذكر، فإذا بلغت ستا وثلاثين ففيها بنت لبون إلى خمس وأربعين، فإذا بلغت ستا وأربعين ففيها حقة، طروقة الفحل إلى ستين، فإذا بلغت إحدى وستين ففيها جذعة إلى خمس وسبعين، فإذا بلغت ستا وسبعين ففيها ابنتا لبون إلى تسعين، فإذا بلغت إحدى وتسعين ففيها حقتان طروقتا الفحل إلى عشرين ومائة، فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة.. الحديث بطوله .

وأخرجه الدارقطني من حديث النصر بن شميل عن حماد بن سلمة قال: أخذنا هذا الكتاب من ثمامة بن عبد الله بن أنس، فحدثه عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: إسناد صحيح وكلهم ثقات، وقال الشافعي: حديث أنس حديث ثابت من جهة حماد بن سلمة وغيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبه نأخذ. قلت: وبه قال أحمد في رواية، وعند مالك وأحمد في رواية أخرى: ولو زاد عشرة على مائة وعشرين فالخبرة للساعي بين حقتين وثلاث بنات لبون وبنت مخاض .



فصل

قال في الروضة: فإذا زادت على مائة وعشرين واحدة وجب ثلاث بنات لبون، والصحيح لا يجب إلا حقتان، وإذا زادت واحدة أوجبنا ثلاث بنات لبون، فهل للواحدة قسط من الواجب؟ وجهان؛ قال الإصطخري: لا، وقال الأكثرون: نعم، ثم بعد مائة وإحدى وعشرين يستقر الأمر، فيجب في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة، وإنما يتغير الواجب بزيادة عشرة أمثاله، في مئة وثلاثين بنتا لبون وحقة، وفي مائة وأربعين حقتان وبنتا لبون، وفي مائة وخمسين ثلاثة حقاق، وفي مئة وستين أربع بنات لبون، وفي مئة وسبعين ثلاث بنات لبون وحقة، وفي مئة وثمانين بنتا لبون وحقتان، وعلى هذا أبدا .



فصل

وقال أصحابنا: ثم إذا زاد على مائة وعشرين تستأنف الفريضة؛ فيكون في الخمس شاة كالأول [ ص: 25 ] إلى مائة وخمس وأربعين ففيها حقتان وبنت مخاض إلى مائة وخمسين ففيها ثلاث حقاق، ثم يستأنف الفريضة فيكون في الخمس شاة كالأول إلى مائة وخمس وسبعين ففيها ثلاث حقاق وبنت مخاض، وفي مائة وست وثمانين ثلاث حقاق وبنت لبون، وفي مائة وست وتسعين أربع حقاق إلى مائتين، ثم تستأنف الفريضة أبدا كما استؤنف بعد المائة والخمسين، ومعنى هذه الجملة أن الفريضة تستأنف بعد المائة والعشرين؛ فيجب في كل خمس ذود شاة مع الحقتين إلى خمس وعشرين ففيها بنت مخاض مع الحقتين، فيكون هذا مع المائة الأولى مائة وخمسا وأربعين، وهو المراد بقولهم: إلى مائة وخمس وأربعين ففيها حقتان وبنت مخاض، ثم إذا زادت خمسا يجب فيها ثلاث حقاق، وهو المراد بقولهم: وفي مائة وخمسين ثلاث حقاق، والعفو فيه بين الواجبات أربعة أربعة، ثم تستأنف الفريضة، فيجب في كل خمس شاة مع ثلاث حقاق إلى خمس وعشرين فيجب فيها بنت مخاض مع ثلاث حقاق وبنت مخاض، وفي ست وثلاثين بنت لبون مع ثلاث حقاق، فيكون مع الأول مائة وست وثمانون، وهو المراد بقولهم: وفي مائة وست وثمانين ثلاث حقاق وبنت لبون، وفي ست وأربعين حقة مع الثلاث الأول، فيكون جملة الإبل مائة وستة وتسعين، وهو المراد بقولهم: وفي مائة وست وتسعين أربع حقاق، فإذا تم خمسين وهو مائتان مع الأول تستأنف الفريضة دائما كما استؤنف في هذه الخمسين إلى بعد المائة والخمسين، والعفو فيه بين الواجبات ظاهر؛ لأنه مثل ما كان في الابتداء لا في صورة واحدة وهي ما إذا وجب الحقة في ست وأربعين، فإن العفو فيها في الأول إلى واجب آخر أربع عشرة، وهنا ثمانية في كل زود، وهو المراد بقولهم: ثم تستأنف الفريضة أبدا كما بعد مائة وخمسين .

ودليلنا فيما ذكرناه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمرو بن حزم فكان فيه: إذا بلغت إحدى وتسعين ففيها حقتان إلى أن تبلغ عشرين ومائة، فإذا كانت أكثر من ذلك ففي كل خمسين حقة، وفي كل أربعين بنت لبون، فما فضل فإنه يعاد إلى أول فرائض الإبل، فما كان أقل من خمس وعشرين ففيه الغنم؛ ففي كل ذود شاة. رواه أبو داود والترمذي والطحاوي، وقال ابن الجوزي: قال أحمد بن حنبل: حديث ابن حزم في الصدقات صحيح، ومذهبنا منقول عن ابن مسعود وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما، وكفى بهما قدوة، وهما أفقه الصحابة، وعلي كان عاملا فكان أعلم بحال الزكاة، وما رواه الشافعي قد عملنا بموجبه فإننا أوجبنا في أربعين بنت لبون وفي خمسين حقة، فإن الواجب في الأربعين ما هو الواجب في ست وثلاثين، والواجب في الخمسين ما هو الواجب في ست وأربعين، ولا يتعرض هذا الحديث لنفي الواجب عما دونه فنوجبه بما رويناه، ونحمل الزيادة فيما رواه الشافعي على الزيادة الكثيرة جمعا بين الأخبار، ألا ترى إلى ما يرويه الزهري عن سالم عن أبيه أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كتب الصدقة ولم يخرجها إلى عماله حتى توفي، ثم أخرجها أبو بكر من بعده فعمل بها حتى توفي، ثم أخرجها عمر فعمل بها حتى توفي، وأخرجها عثمان فعمل بها، ثم أخرجها علي فعمل بها، فكان فيها في إحدى الروايات في إحدى وتسعين حقتان إلى عشرين ومائة، فإذا كثرت الإبل ففي كل خمسين حقة، وفي كل أربعين بنت لبون.. الحديث رواه أبو داود والترمذي، وبزيادة الواحد لا يقال كثرت، وهذا يؤيد ما ذكرناه بل ينص عليه .

وقد وردت أحاديث كلها تنص على وجوب الشاة بعد المائة والعشرين، ذكرها الشمس السروجي في شرحه على الهداية، ولأن الواحدة الزائدة على مائة وعشرين إن كان لها حصة من الواجب يكون في كل أربعين ثلاث بنات لبون، فيكون مخالفا لحديثه؛ لأنه أوجبها في كل أربعين، وإن لم يكن لها حصة من الواجب كما هو مذهبه فهو مخالف لأصول الزكاة، فإن ما لا يكون له حظ من الواجب لا يتغير به الواجب، والله أعلم .



(تنبيه)

حديث عمرو بن حزم الذي احتج به أصحابنا هو ما رواه الطحاوي عن سليمان بن شعيب، حدثنا الخطيب بن ناصح، عن أبي بكرة، حدثنا أبو عمر الضرير قال: حدثنا حماد بن سلمة قال: قلت [ ص: 26 ] لقيس بن سعد: اكتب لي كتاب أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، فكتب لي في ورقة ثم جاء بها، وأخبرني أنه أخذه من أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وأخبرني أن النبي صلى الله عليه وسلم كتبه لجده عمرو بن حزم في ذكر ما يخرج من فرائض الإبل، فكان فيه أنها إذا بلغت تسعين ففيها حقتان إلى أن تبلغ عشرين ومائة، فإذا كانت أكثر من ذلك ففي كل خمسين حقة، فما فضل فإنه يعاد إلى أول فريضة الإبل، فما كان أقل من خمس وعشرين ففيه في كل خمس ذود شاة، وقد أخرجه البيهقي في السنن، وقال: هو منقطع، وقيس أخذه عن كتاب لا سماع، وكذلك حماد بن سلمة أخذه عن كتاب لا سماع، وقيس وحماد وإن كانا من الثقات فروايتهما هذه بخلاف رواية الحفاظ من كتاب عمرو، وحماد ساء حفظه في آخر عمره، فالحفاظ لا يحتجون بما يخالف فيه ويتجنبون ما ينفرد به عن قيس بن سعد وأمثاله، هذا آخر كلامه .

قلت: قد صرح الحفاظ أن كل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب منقطع، فإن كنتم لا تسوغون مخالفكم الاحتجاج بالمنقطع في غير هذا الباب؛ فلم تحتجون عليه في هذا الباب؟ فإن وجب أن يكون عدم الاتصال في موضع من المواضع يزيد قبول الخبر أنه ليجب أن يكون كذلك هو في كل المواضع، ولئن وجب أن يقبل الخبر وإن لم يتصل إسناده لثقة من حدث به في باب واحد أنه ليجب أن يقبل في كل الأبواب، وقد احتج البيهقي في هذا الباب بحديث معمر عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده، وهو منقطع أيضا؛ لأن جده محمد بن عمرو بن حزم لم ير النبي صلى الله عليه وسلم ولا ولد إلا بعد أن كتب النبي صلى الله عليه وسلم هذا الكتاب لأبيه؛ لأنه إنما ولد بنجران قبل وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم سنة عشر من الهجرة، ولم ينقل في الحديث إلينا أن محمد بن عمرو روى هذا الحديث عن أبيه، فقد ثبت انقطاع هذا الحديث أيضا، وأما حماد بن سلمة فثقة حجة، ولم أر أحدا من أئمة هذا الشأن ذكره بشيء مما ذكره البيهقي، وقيس بن سعد حجة حافظ وثقه كثيرون وأخرج له مسلم، وعبد الله بن أبي بكر فليس في الثبت والإتقان كقيس بن سعد.

قال الطحاوي: ولقد حدثني يحيى بن عثمان، قال: سمعت ابن الوزير يقول: سمعت الشافعي يقول: سمعت سفيان بن عيينة يقول: كنا إذا رأينا الرجل يكتب الحديث عن واحد من أربعة، ذكر فيهم عبد الله بن أبي بكر، سخرنا منه؛ لأنهم كانوا لا يصرفون الحديث، فلما لم يكافئ عبد الله بن أبي بكر قيسا في الضبط صار الحديث عندنا ما رواه قيس، لاسيما وقد ذكر قيس أن أبا بكر بن محمد كتب له، وأما قول البيهقي: وقيس أخذه عن كتاب.. إلخ، فقد صرح بنفسه في المدخل أن الحجة تقوم بالكتاب وإن كان السماع أولى منه بالقبول، ثم إن حديث ثمامة الذي احتجوا به ومن ذكره منقطع أيضا، قال الدارقطني في كتاب التتبع والاستدراك على الصحيحين: إن ثمامة لم يسمعه عن أنس، وأن عبد الله بن المثنى لم يسمعه من ثمامة أيضا اهـ .

وذكروا أيضا أن حماد بن سلمة أخذه أيضا من كتاب، فالكلام هنا كالكلام هناك سواء، فتأمل ذلك والله أعلم .




الخدمات العلمية