الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والتتابع في هذا الاعتكاف أولى فإن نذر اعتكافا متتابعا أو نواه انقطع تتابعه بالخروج من غير ضرورة كما لو خرج لعيادة أو شهادة أو جنازة أو زيارة أو تجديد طهارة وإن خرج لقضاء الحاجة لم ينقطع

التالي السابق


ثم قال المصنف رحمه الله تعالى : (والتتابع في هذا الاعتكاف أولى إن نذر اعتكافا ) فإما أن يطلق أو يقدر مدة وعلى الثاني إما أن يطلقها أو يعينها الحالة الأولى أن يطلقها فينظر إن اشترط تتابعها لزمه كما لو اشترط التتابع في الصوم وإن لم يشترطه لم يلزمه التتابع وخرج ابن سريج قولا أنه يلزم وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد وظاهر المذهب الأول (أو) لم يتعرض له لفظا ولكن (نواه) بقلبه فهل يلزمه ؟ فيه وجهان : أصحهما : أنه لا يلزم ، الحالة الثانية : أن يعين المدة المقدرة عليه الوفاء ولو فاته الجميع لا يلزمه التتابع إذا علمت ذلك فاعرف أن من نذر اعتكافا بصورة التتابع أو نواه (انقطع بالخروج) من المسجد (تتابعه) إذا كان الخروج (من غير ضرورة) داعية (كما لو خرج لعيادة مريض أو شهادة) أي : أدائها (أو) حضور (جنازة أو زيارة) أخ من أصحابه (أو تجديد طهارة) إلا إذا شرط في نذره الخروج منه إن عرض عارض صح شرطه لأن الاعتكاف إنما يلزمه بالتزامه فيجيب بحسب الالتزام وعن صاحب [ ص: 238 ] التقريب والحناطي حكاية قول آخر لا يصح لأنه شرط يخالف مقتضى الاعتكاف المتتابع فيلغو كما لو شرط المعتكف أن يخرج للجماع وبالأول قال أبو حنيفة وبالثاني قال مالك وعن أحمد روايتان كالقولين فإن قلنا بالأول وهو الصحيح المشهور فينظر إن عين نوعا فقال : لا أخرج إلا لعيادة المريض أو عين ما هو أخص منه فقال : لا أخرج إلا لعيادة زيد أو لتشييع جنازته إن مات خرج لما عينه دون غيره من الأشغال وإن كان أهم منه وإن أطلق فقال : لا أخرج إلا لشغل معين لي أو لعارض كان له أن يخرج لكل شغل ديني كحضور الجمعة وعيادة المرضى وصلاة الجنازة أو دنيوي كلقاء السلطان واقتضاء الغريم ولا يبطل التتابع بشيء من ذلك ويشترط الشغل الدنيوي أن يكون مباحا ونقل وجه عن الحاوي أنه لا يشترط (وإن خرج لقضاء الحاجة لم ينقطع اعتكافه لقضاء الحاجة ) وفي معناه الخروج للاغتسال عند الاحتلام وأوقات الخروج لقضاء الحاجة لا يجب تداركها وله مأخذان : أحدهما : أن الاعتكاف مستمر ولذلك لو جامع في أوقات الخروج ذلك الوقت بطل اعتكافه على الصحيح ، والثاني : أن زمان الخروج لقضاء الحاجة جعل كالمستثنى لفظا عن المدة المنذورة لأنه لا بد وإذا فرغ وعاد لم يحتج إلى تجديد النية أما على المأخذ الأول فظاهر وأما على الثاني فلأن اشتراط التتابع في الابتداء رابطة لجميع ما سوى تلك الأوقات ومنهم من قال : إن طال الزمان ففي لزوم التجديد وجهان كما لو أراد البناء على الوضوء بعد التفريق الكثير .



(فرع)

لو كان في المسجد سقاية لم يكلف قضاء الحاجة فيها لما فيه من المشقة وسقوط المروءة وكذا لو كان في جوار المسجد صديق وأمكنه دخول داره فإن فيه مع ذلك قبول منة بل له الخروج إلى داره إن كانت قريبة أو بعيدة غير متفاحشة البعد وإن تفاحش البعد ففيه وجهان : أحدهما : يجوز لإطلاق القول بأنه لا فرق بين قرب الدار وبعدها والثاني : المنع لأنه قد يأتيه البول إلى أن يرجع فيبقى طول يومه في الذهاب والمجيء إلا أن لا يجد في الطريق موضعا للفراغ أو كان لا يليق بحاله أو لا يدخل لقضاء الحاجة غير داره ونقل الإمام فيما إذا كثر خروجه لعارض يقتضيه وجهين أيضا وقال : من أئمتنا من نظر إلى جنس قضاء الحاجة ومنهم من خصص عدم تأثيره بما إذا قرب الزمان وقصر وبالأول أجاز المصنف وهو قضية إطلاق المعظم لكن إذا تفاحش البعد ووجه المنع أظهر عند العراقيين وذكر الروياني في البحر أنه المذهب .




الخدمات العلمية