الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومن أوضحها أن الشرع أوجب في خمس من الإبل شاة فعدل من الإبل إلى الشاة ولم يعدل إلى النقدين والتقويم وإن قدر أن ذلك لقلة النقود في أيدي العرب بطل بذكره عشرين درهما في الجبران مع الشاتين فلم يذكر في الجبران قدر النقصان من القيمة ولم قدر ؟ بعشرين درهما وشاتين وإن كانت الثياب والأمتعة كلها في معناها ؟ فهذا وأمثاله من التخصيصات يدل على أن الزكاة لم تترك خالية عن التعبدات كما في الحج ولكن جمع بين المعنيين والأذهان الضعيفة تقصر عن درك المركبات فهذا شأن الغلط فيه .

التالي السابق


(ومن أوضحها) بيانا (أن الشرع أوجب في) كل (خمس من الإبل شاة) فيما أخرجه البخاري من حديث أنس الطويل، وقد تقدم ذكره (فعدل من الإبل إلى الشاة) وهما جنسان مختلفان (ولم يعدل إلى التعديل والتقويم) ، والأصل في هذه المسألة: هل يطهر الشيء بنفسه أو بغيره؟ فالأصل الصحيح أن النفس لا تطهر إلا بنفسه، هذا هو الحق الذي يرجع إليه، وإن وقع الخلاف في الصورة فالمراعاة إنما هو في الأصل، وقد تقدم في الاعتبارات، والقائل بالأوقاص يخرج من الذهب درهما، وليس الورق من صنف الذهب، كذلك الشاة تخرج في زكاة [ ص: 97 ] خمس من الإبل وليست صنفها، وإنما لم يعدل إلى التقويم؛ لكمال المناسبة بين الشاة والإبل، بخلاف النقدين، (وإن قدر أن ذلك لقلة النقود في أيدي العرب) إذ ذاك، وكان الحيوان أسهل عليهم؛ لأنه كان غالب أموالهم؛ فلذلك وقع التعيين، (بطل بذكره عشرين درهما في الجبران مع الشاتين) على ما تقدم تفصيله (فلم لم يذكر في الجبران قدر النقصان من القيمة؟ ولم قدر بعشرين درهما وشاتين إن كانت الثياب والأمتعة كلها في معناها؟) وقد ذكر البيهقي مثل ذلك في السنن، فقال: لا يؤدي فيما وجب إلا ما وجب عليه؛ استدلالا بالتنصيص على الواجب في كل جنس، ونقله في بعضه إلى بدل معين، وتقديره الجبران في بعضه بمقدار مع اختلاف القيم باختلاف الزمان وافتراق المكان اهـ .

لكن يقال: إنما وقع التعيين على الحيوان؛ لأنه كان غالب أموالهم، فكان أسهل عليهم، ثم نقلهم من بدل يقرب من الواجب غالبا، وجعل زيادة اليسير بمقابلة فضل الأنوثة، وذلك لا ينقص عن قيمة الواجب غالبا، والجبران في الصدقات محمول على ما إذا كانت القيمة لذلك؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لا يجحف بأرباب الأموال ولا يضر بالمساكين، ومعلوم بالضرورة أن المصدق إذا أخذ مكان حقة جذعة قيمتها عشرون درهما ودفع عشرين درهما فقد أضر بالفقراء، وإذا أخذ مكان حقة قيمتها عشرون درهما بنت لبون وعشرين فقد أجحف برب المال؛ فتأمل ذلك. (فهذا وأمثاله من التخصيصات يدل على أن الزكاة لم تترك خالية عن التعبدات) الشرعية (كما في) أفعال (الحج) على ما سيأتي (ولكن جمع بين المعنيين) الحظ المعقول والتعبد (والأذهان الضعيفة تقصر عن درك المركبات) منهما؛ لعدم تعديها عن طور الظاهر، (فهذا مثل الغلط فيه) ، والحاصل أن الشافعي رضي الله عنه في هذه المسألة ومسألة التقسيم على الأصناف شدد نظرا إلى أدق المعنيين، وأبو حنيفة رحمه الله نظر إلى وجه القربة في المتنازع فيه، فخفف تسهيلا على الأمة، وفي بعض مسائل هذا الباب شدد أبو حنيفة وخفف الشافعي، فرجع الأمر إلى مرتبتي الميزان؛ فالأولى بالمصنف أن يقول: فهذا مثار الخلاف فيه كما لا يخفى، وكلهم مرضيون هداة مثابون على اجتهادهم وحسن نظرهم؛ فرضي الله عنهم وأرضاهم عنا .




الخدمات العلمية