الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما صفة الواجب فالتمر والزبيب اليابس والحب اليابس بعد التنقية .

ولا يؤخذ عنب ولا رطب إلا إذا حلت بالأشجار آفة وكانت المصلحة في قطعها قبل تمام الإدراك فيؤخذ الرطب فيكال تسعة للمالك وواحد للفقير .

ولا يمنع من هذه القسمة قولنا : إن القسمة بيع ، بل يرخص في مثل هذا للحاجة .

ووقت الوجوب أن يبدو الصلاح في الثمار وأن يشتد الحب .

ووقت الأداء بعد الجفاف .

التالي السابق


(وأما صفة الواجب فالتمر والزبيب اليابس بعد التنقية، ولا يؤخذ عنب ولا رطب إلا إذا حلت بالأشجار آفة) سماوية أو أرضية (وكانت المصلحة في قطعهما قبل تمام الإدراك) بحيث لو ترك الثمار عليها إلى وقت القطع لأضرت بها، جاز قطع ما يندفع به الضرر، وأما كلها أو بعضها وهل يستقل المالك بقطعها أم يحتاج إلى استئذان الإمام أو الساعي؟ قال الصيدلاني وصاحب التهذيب وطائفة: يستحب الاستئذان، وقال آخرون: ليس له الاستقلال، فلو استقل عزر إن كان عالما، وهو الأصح وبه قطع العراقيون والسرخسي، (فيؤخذ الرطب) حينئذ (فيكال) إذا أراد الساعي أخذ العشر (تسعة للمالك) أي: رب المال (وواحد للفقير) يأخذه الساعي باسمه، وإنما بدئ بالمالك؛ لأن حقه أكثر، وبه يعرف حق المساكين، فإن كان الواجب نصف العشر كيل لرب المال تسعة عشر ثم للفقير واحدا، وإن كان ثلاثة أرباع العشر كيل للمالك سبعة وثلاثون وللساعي ثلاثة، ولا يهز المكيال ولا يزنفل، ولا تؤخذ اليد فوقه ولا يمسح؛ لأن ذلك يختلف بل يصب فيه ما يحتمله ثم يفرغ، ثم اعلم أن الساعي إذا علم قبل القطع وأراد القسمة بأن يخرص الثمار ويعين حق المساكين في نخلة أو نخلات بأعينهم فقولان منصوصان، قال الأصحاب: هما بناء على أن القسمة بيع أو إفراز حق، فإن قلنا: إفراز، جاز، ثم للساعي أن يبيع نصيب المساكين للمالك أو غيره، وأن يقطع ويفرقه بينهم، يفعل ما فيه الخطة لهم، وإن قلنا: إنه بيع لم يجز، وعلى [ ص: 37 ] هذا الخلاف تخريج القسمة بعد قطعها إن قلنا: إفراز، جازت، وإلا ففي جوازها خلاف مبني على جواز بيع الرطب الذي لا يتمر، وإن جوزناه جازت القسمة بالكيل، وإلا فوجهان؛ أحدهما: يجوز مقاسمة الساعي؛ لأنها ليست مقاسمة، وإليه أشار المصنف بقوله: (ولا يمنع من هذه القسمة قولنا: إن القسمة بيع، بل يرخص في مثل هذا) فلا يراعى فيها تعبدات الربا، وأيضا (للحاجة) الداعية إليها، وأصحهما عند الأكثرين: لا يجوز، فعلى هذا له في الأخذ مسلكان: أحدهما: يأخذ قيمة عشر الرطب المقطوع، وجوز بعضهم القيمة للضرورة، والثاني: يسلم عشره مشاعا إلى الساعي ليتعين حق المساكين، وطريق تسليم العشر تسليم الجميع، فإذا تسلمه فالساعي يبيع نصيب المساكين للمالك أو غيره، أو يبيع هو والمالك ويقسمان الثمن، وهذا المسلك جائز بلا خلاف، وهو متعين عند من لم يجوز القسمة وأخذ القيمة، وخير بعض الأصحاب الساعي بين القسمة وأخذ القيمة، وقال كل منهما خلاف القاعدة واحتمل للحاجة، فيفعل ما فيه حظ للمساكين، وفي المسألتين مستدرك حسن لإمام الحرمين، قال: إنما يثور الإشكال على قولنا: المساكين شركاء في النصاب بقدر الزكاة، وحينئذ ينتظم التخريج على القولين في القسمة، فأما إذا لم نجعلهم شركاء فليس لهم تسليم جزء إلى الساعي قسما حتى يأتي فيه القولان في القسمة، بل هو توفية حق إلى مستحق، (ووقت الوجوب) أي: وجوب زكاة النخل والعنب: الزهو، وهو (أن يبدو الصلاح في الثمار) ، ووقت الوجوب في الحبوب (أن يشتد الحب) ، هذا هو المذهب والمشهور، (ووقت الأداء بعد الجفاف) والتنقية، وحكي قول: إن وقت الوجوب الجفاف، ولا يتقدم الوجوب على الأمر بالأداء، وقول قديم: إن الزكاة لا تجب عند فعل الحصاد، ثم الكلام في معنى بدو الصلاح، وأن بدو الصلاح في البعض كبدوه في الجميع، ولا يشترط تمام اشتداد الحب كما لا يشترط تمام الصلاح في الثمار، وإذا قلنا بالمذهب أن بدو الصلاح واشتداد الحب وقت الوجوب لم يكلف الإخراج في ذلك الوقت، لكن ينعقد سببا لوجوب الإخراج إذا صار تمرا أو زبيبا أو حبا مصفى، وصار للفقراء حق في الحال حتى يدفع إليهم آخرا، فلو أخرج الرطب في الحال لم يجز، فلو أخذ الساعي من الرطب لم يقع الموقع ووجب رده إن كان باقيا، فإن تلف فوجهان؛ الصحيح الذي قطع به الأكثرون ونص عليه الشافعي: أنه يرد قيمته، والثاني: يرد مثله، والخلاف مبني على أن الرطب والعنب مثليان أم لا، ولو جف عند الساعي فإن كان قدر الزكاة أجزأ، وإلا رد التفاوت أو أخذه، كذا قاله العراقيون، ولي وجه آخر ذكره ابن كج أنه لا يجزئ بحال لفساد القبض من أصله .



(فصل)

قال أصحابنا: يجب العشر في كل شيء أخرجته الأرض، سواء سقي سيحا أو سقته السماء، ولا يشترط فيه النصاب، ولا أن يكون مما يبقى حتى يجب في الخضراوات إلا الحطب والقصب والحشيش، وهذا عند أبي حنيفة، وقالا: لا يجب العشر إلا فيما له ثمرة باقية إذا بلغ خمسة أوسق، وبه قال مالك والشافعي وأحمد، فصار الخلاف في موضعين: في اشتراط النصاب، وفي اشتراط البقاء، واستدلوا للأخير بما رواه الترمذي: ليس في الخضراوات صدقة، والجواب عنه أن الترمذي قال عقب هذا الحديث: لم يصح في هذا الباب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء، ولئن ثبت فهو محمول على صدقة يأخذها العاشر؛ لأنه إنما يأخذ من مال التجارة إذا حال عليه الحول، وهذا بخلافه ظاهرا أو على أنه لا يأخذ من عينه بل يأخذ من قيمته؛ لأنه يتضرر بأخذ العين في البراري؛ حيث لم يجد من يشتريه، أما الحطب والقصب والحشيش لا يقصد بها استغلال الأرض، غالبا لا يبقى عنها حتى لو استغل بها أرضه وجب فيها العشر، وعلى هذا كل ما لا يقصد به استغلال الأرض لا يجب فيه العشر، وذلك مثل السعف والتبن وكل حب لا يصلح للزراعة كبزر البطيخ والقثاء؛ لكونها غير مقصودة في نفسها، وكذا لا عشر فيما هو تابع للأرض كالنخل والأشجار؛ لأنه بمنزلة جزء من الأرض؛ ولهذا يتبعها في البيع، وكل ما يخرج من الشجر كالصمغ والقطران لا يجب فيه العشر؛ لأنه لا يقصد به الاستغلال، ويجب في العصفر والكتان وبزره، كل واحد منهما مقصود فيه، ثم اختلف أبو [ ص: 38 ] يوسف ومحمد فيما لا يوسق إذا كان مما يبقى كالزعفران والقطن، فقال أبو يوسف: يجب فيه العشر إذا بلغت قيمته خمسة أوسق من أدنى ما يدخل تحت الوسق كالذرة في زماننا؛ لأنه لا يمكن اعتبار التقدير الشرعي فيه، فوجب رده إلى ما يمكن، كما في عروض التجارة لما لم يمكن اعتباره رددناه إلى التقدير، واعتبار الأدنى لكونه أنفع للفقراء، وقال محمد: يجب العشر إذا بلغ الخارج خمسة أعداد من أعلى ما يقدر به نوعه، فاعتبر في القطن خمسة أحمال، كل حمل ثلاثمائة من، وفي الزعفران خمسة أمنان؛ لأن الاعتبار بالوسق كان لأجل أنه أعلى ما يقدر به نوعه، فوجب اعتبار كل نوع بأعلى ما يقدر به نوعه قياسا عليه، ولو كان الخارج نوعين يضم أحدهما إلى الآخر لتكميل النصاب إذا كانا من جنس واحد؛ بحيث لا يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا، والعسل يجب فيه العشر قل أو كثر عنده إذا أخذ من أرض العشر، وعند أبي يوسف أنه يعتبر قيمة خمسة أوسق كما هو أصله فيما لا يوسق، وعنه أنه قدره بعشر قرب؛ لأن بني سبابة كانوا يؤدون إلى النبي صلى الله عليه وسلم كذلك، وروي عنه التقدير بعشرة أرطال، وعن محمد بخمسة أفراق؛ كل فرق ستة وثلاثون رطلا؛ لأنه أعلى ما يقدر به نوعه، وممن أوجب الزكاة في العسل الأوزاعي وربيعة والزهري ويحيى بن سعيد، وهو قول ابن وهب من المالكية، وما يوجد في الجبال من العسل والثمار ففيه العشر، وعن أبي يوسف أنه لا يجب فيه شيء؛ لأن السبب الأرض النامية ولم يوجد، قلنا: المقصود الخارج، وقد حصل، وفي قصب السكر العشر قل أو كثر عنده، وعلى قياس قول أبي يوسف أن يعتبر قيمة ما يخرج من السكر إن بلغ خمسة أوسق، وعند محمد نصاب السكر خمسة أمنان؛ لأنه أعلى ما يقدر به نوعه كالزعفران، ثم وقت وجوب العشر عند ظهور الثمر عند أبي حنيفة، وعند أبي يوسف عند الإدراك، وعند محمد وقت تصفيته وحصوله في الحظيرة، وثمرة الخلاف تظهر في وجوب الضمان بالإتلاف .



(تنبيه)

دليل الجماعة في اعتبار النصاب حديث أبي سعيد الخدري: ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة، وليس فيما دون خمسة ذود صدقة، وليس فيما دون خمس أواق صدقة.

أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والطحاوي، وفي رواية للنسائي: لا صدقة فيما دون خمسة أوساق من التمر، ليس في حب ولا تمر صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق. وعند أبي داود من طريق أبي البحتري الطائي عنه رفعه: ليس فيما دون خمسة أوساق زكاة، والوسق ستون مختوما. وأخرجه النسائي وابن ماجه مختصرا، قال أبو داود وأبو البحتري: لم يسمع من أبي سعيد، ومن ذلك حديث جابر بن عبد الله الأنصاري: لا صدقة في شيء من الزرع أو الكرم حتى يكون خمسة أوسق، ولا في الرقة حتى تبلغ مائتي درهم.

أخرجه مسلم والطحاوي من حديث عمرو بن دينار عنه، وعند مسلم والطحاوي أيضا من حديث أبي الزبير عنه بلفظ: ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة.

وروى مسلم أيضا من حديث جابر مثل لفظ حديث أبي سعيد المتقدم، ومن ذلك حديث ابن عمر: ليس فيما دون خمس من الإبل صدقة ولا فيما دون خمس أواق ولا خمسة أوساق صدقة.

أخرجه الطحاوي من طريقهم مرفوعا أو موقوفا، ومن ذلك حديث أبي هريرة مثله أخرجه أحمد والدارقطني والطحاوي، ومن حديث عمرو بن حزم أخرجه الطحاوي والبيهقي من طريق سليمان بن داود، حدثني الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن، فكتب فيه: ما سقت السماء أو كان سيحا أو بعلا فيه العشر إذا بلغ خمسة أوسق، وما سقي بالرشاء أو بالدالية ففيه نصف العشر إذا بلغ خمسة أوسق، هذا ما احتج به الجماعة، وقالوا: ألا تجب الصدقة في شيء من الزرع والثمار حتى يكون خمسة أوسق، وكذلك كل شيء مما تخرجه الأرض فليس في شيء منه صدقة حتى يبلغ هذا المقدار أيضا، والذي احتج به الإمام أبو حنيفة حديث معاذ بن جبل قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فأمرني أن آخذ مما سقت السماء العشر ومما سقى بعلا نصف العشر.

أخرجه ابن ماجه والطحاوي.

وروى البخاري والطحاوي من حديث ابن عمر فيما سقت السماء والعيون وكان عثريا العشر وما سقي بالنضح نصف [ ص: 39 ] العشر.

وروى مسلم والطحاوي من حديث جابر: فيما سقت الأنهار والغيم العشر، وفيما سقي بالسانية نصف العشر.

وروى البزار من طريق قتادة عن أنس رفعه: سن فيما سقت السماء العشر وما سقي بالنواضح نصف العشر. هكذا رواه الحفاظ عن قتادة ورواه أبو حنيفة عن أبان عن أنس رفعه: في كل شيء أخرجت الأرض العشر أو نصف العشر.

قال أبو حنيفة: ولم يذكر صاعكم. ففي هذه الآثار: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل فيما سقت السماء ما ذكر فيها، ولم يقدر في ذلك مقدارا، ففي ذلك ما يدل على وجوب الزكاة في كل ما خرج من الأرض قل أو كثر، وهو قول النخعي ومجاهد، أما قول النخعي فأخرجه أبو بكر بن أبي شيبة عن وكيع والطحاوي من طريق شريك كلاهما عن منصور عن إبراهيم قال: في كل شيء أخرجت الأرض زكاة. هذا لفظ وكيع، وقال شريك: الصدقة بدل زكاة، وأما قول مجاهد فأخرجه ابن أبي شيبة عن معمر بن سليمان والطحاوي من طريق موسى بن أعين كلاهما عن حبيب عن مجاهد قال: فيما أخرجت الأرض فيما قل منه أو كثر العشر أو نصف العشر، وقد رواه ابن أبي شيبة عن حماد وعن الزهري، فقول حماد رواه عن منذر عن شعبة عنه قال: في كل شيء أخرجت الأرض العشر أو نصف العشر .

وقول الزهري رواه عن عبد الأعلى عن معمر عنه أنه كان لا يوقت في الثمرة شيئا، وقال: العشر ونصف العشر، وروي عن عبد الأعلى عن معمر قال: كتب بذلك عمر بن عبد العزيز إلى أهل اليمن، قال أبو جعفر الطحاوي: والنظر الصحيح أيضا يدل على ذلك، وذلك أنا رأينا الزكوات تجب في الأموال والمواشي في مقدار منها معلوم بعد وقت معلوم، وهو الحول، فكانت تلك الأشياء تجب بمقدار معلوم ووقت معلوم، ثم رأينا ما تخرج الأرض تؤخذ منه الزكاة في وقت ما يخرج ولا ينتظر به وقت، فلما سقط أن يكون له وقت تجب فيه الزكاة بحلوله سقط أن يكون له مقدار تجب فيه الزكاة ببلوغه، فيكون حكم المقدار والميقات في هذا سواء إذا سقط أحدهما سقط الآخر كما كانا في الأموال التي ذكرنا، سواء لما ثبت أحدهما ثبت الآخر، فهذا هو النظر، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى، وأما ما سقي بقرب أودية ففيه نصف العشر لما روينا، ولأن المؤنة تكثر فيه وتقل فيما سقي سيحا أو سقته السماء، وإذا اجتمعا فالمعتبر أكثر السنة، كما مر في السائمة والمعلوفة، ونقل الشمس السروجي في الغاية إن سقي نصفها بكلفة ونصفها بغير كلفة قال مالك والشافعي وأحمد: يجب ثلاثة أرباع العشر، فيؤخذ نصف كل واحد من الوظيفتين، ولا نعلم فيه خلافا، قال الزيلعي: قياس هذا على السائمة يوجب الأقل؛ لأنه تردد بينهما، فشككا في الأكثر، فلا يجب الزيادة بالشك كما قلنا هناك: إنه إذا علفها نصف الحول تردد بين الوجوب وعدمه، فلا يجب بالشك .




الخدمات العلمية