الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما في المال فبأن يجد نفقة ذهابه وإيابه إلى وطنه كان له أهل أو لم يكن لأن مفارقة الوطن شديدة

التالي السابق


(وأما في المال فبأن يجد نفقة ذهابه) من وطنه إلى مكة (وإيابه) أي رجوعه منها (إلى وطنه إن كان له أهل) وعشيرة (أو لم يكن له أهل) وعشيرة ، هذا أصح الوجهين ؛ (لأن مفارقة الوطن شديدة) فتسرع النفوس إليه لما في الغربة من الوحشة ، والوجه الثاني : إن لم يكن له أهل وعشيرة فلا تشترط مؤنة الإياب ؛ لأن البلاد في مثل هذا الشخص متقاربة ، ويجري الوجهان في اعتبار الراحلة للإياب ، وهل يختص الوجهان بما إذا لم يملك ببلده مسكنا أم لا ، أبدى الإمام احتمالين ، ورأى الأظهر التخصيص ، وأغرب أبو عبد الله الحناطي فنقل وجها أن مؤنة الإياب لا تعتبر في حق ذي الأهل والعشيرة أيضا ، وقال أصحابنا : هل تشترط قدرته على نفقته ونفقة عياله بعد إيابه إلى وطنه ؟ فظاهر الرواية : لا ، وقيل : لا بد من زيادة نفقة يوم . وقيل : شهر . الأول رواية عن الإمام ، والثاني عن أبي يوسف ، والله أعلم . والمراد بالأهل في كلام المصنف من تلزمه نفقتهم لا غير .

[ ص: 294 ] وفي قوله : إن لم يكن له أهل لا يمكن الحمل على هؤلاء فحسب ، إذ ليس ذلك موضع الوجهين ، وإنما الوجهان فيما إذا لم يكن له عشيرة أصلا ، كذا ذكره الصيدلاني وغيره ؛ لأنه يعظم على الإنسان مفارقة العشيرة ، فلا بد من اعتبار الإياب إذا كان الرجل ذا عشيرة ، قال الإمام : ولم يتعرض أحد من الأصحاب للمعارف والأصدقاء ؛ لأن الاستبدال بهم متيسر . وقال أصحابنا : المراد بالزاد نفقته ذهابا وإيابا بلا تقتير ولا إسراف ، والقدرة عليه تثبت بالملك لا بالإباحة ، قالوا : ويعتبر في كل إنسان ما يصح به بدنه والناس متفاوتون في ذلك ؛ فالمترفه المعتاد يأكل اللحم ونحوه من الأطعمة المترفهة إذا قدر على ما تيسر من خبز وجبن دون لحم لا يعد قادرا ، والله أعلم .




الخدمات العلمية