الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولعل بعض من لا يدرك غرض الشافعي رضي الله عنه يتساهل في ذلك ، ويلاحظ المقصود من سد الخلة وما أبعده عن التحصيل ! فإن سد الخلة مقصود وليس هو كل المقصود بل واجبات الشرع ثلاثة أقسام قسم هو تعبد محض لا مدخل للحظوظ والأغراض فيه .

وذلك كرمي الجمرات مثلا ، إذ لا حظ للجمرة في وصول الحصى إليها فمقصود الشرع فيه الابتلاء بالعمل ليظهر العبد رقه وعبودته بفعل ما لا يعقل له معنى لأن ما يعقل معناه فقد يساعده الطبع عليه ويدعوه إليه فلا يظهر به خلوص الرق والعبودية إذ العبودية تظهر بأن تكون الحركة لحق أمر المعبود فقط لا لمعنى آخر وأكثر أعمال الحج كذلك ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في إحرامه لبيك بحجة حقا تعبدا ورقا تنبيها على أن ذلك إظهار للعبودية بالانقياد لمجرد الأمر وامتثاله كما أمر من غير استئناس العقل منه بما يميل إليه ويحث عليه .

التالي السابق


ثم إن المصنف رحمه الله أشار بالرد على من قصر نظره على المقصود من إخراج القيمة الذي هو سد خلة المحتاج، وأن وراء ذلك أمرا آخر بعيد الغور فهمه الشافعي، فقال: (ولعل بعض من لا يدرك غرض الشافعي) رضي الله عنه في عدم اعتباره تجويز القيم (يتساهل في ذلك، ويلاحظ المقصود من سد الخلة) أي: الاحتياج (وما أبعده عن التحصيل!) لدرك أسرار مسائل الفقه (فإن سد الخلة مقصود) في الجملة كما ذكروا، (وليس هو كل المقصود بل) وراءه أمر آخر ينبغي الإحاطة بمعرفته، وبيان ذلك: أن (واجبات الشرع) التي أوجبها الله على لسان الشارع صلى الله عليه وسلم (ثلاثة أقسام) بالاستقراء: (قسم هو تعبد محض) غير معقول المعنى (لا مدخل للحظوظ) النفسية (والأغراض) الظاهرة (فيه، وذلك كرمي الجمار مثلا، إذ لا حظ للجمرة في وصول الحصى إليها فمقصود الشرع في ذلك الابتلاء بالعمل) ، أي: الاختبار به؛ (ليظهر العبد رقه وعبوديته) أي: خضوعه (ويفعل ما لا يعقل له معنى) ، هذا بالنسبة إلى قاصر النظر على ظواهر الأحكام، ولكن من تعدى هذا الطور وأعطي منحا إلهية؛ فإنه يعقل لرمي الجمار معنى غريبا غير ما يعرفه القاصرون، وكذا سائر المتعبدات الشرعية التي يحكم عليها أهل الظاهر بأنه تعبدي فله معنى معقول عند أهل الباطن كما سيأتي بيان ذلك على التفصيل في كتاب الحج إن شاء الله تعالى؛ (لأن ما يعقل معناه) بأي وجه كان، (قد يساعد الطبع) الإنساني (عليه ويدعو إليه) ويحمله على العمل به، (فلا يظهر به خلوص الرق والعبودية) ولا يتم كمال الخضوع المأمور به؛ (إذ العبودية) المحضة (تظهر بأن تكون الحركة بحق أمر من الله) جل جلاله فقط، (لا لأمر آخر) سواه، وهذه هي حقيقة العبودية والرق، فلا يخطر بباله غير امتثال أمر الحق ولا يتسارع لسوى ذلك، (وأكثر أعمال الحج كذلك) أي: من هذا القبيل، يراعى فيه التعبد فقط مثل الرمل [ ص: 96 ] في الطواف؛ فإنه تعبد محض، وأمثال ذلك كما سيأتي تفصيله في موضعه؛ (ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في) حال (إحرامه) للحج: (لبيك بحجة حقا تعبدا ورقا) .

قال العراقي: أخرجه البزار والدارقطني في العلل من حديث أنس. اهـ .

قلت: ورواه الديلمي في مسند الفردوس من حديثه أيضا، ولفظه: لبيك حجا حقا تعبدا ورقا، (تنبيها) لمن في سنة الغفلة عن أسرار المعاني، (على أن ذلك) منه صدر؛ (إظهارا للعبودية بالانقياد لمجرد الأمر) الشريف (وامتثاله كما أمر من غير استئناس العقل بما يميل إليه ويحث عليه) وفيه تعليم لأمته؛ كي يقتدوا به .




الخدمات العلمية