الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الثامن : التأثر وهو أن يتأثر قلبه بآثار مختلفة بحسب اختلاف الآيات فيكون له بحسب كل فهم حال ، ووجد يتصف به قلبه من الحزن والخوف والرجاء وغيره .

ومهما تمت معرفته كانت الخشية أغلب الأحوال على قلبه فإن التضييق غالب على آيات القرآن فلا يرى ذكر المغفرة والرحمة إلا مقرونا بشروط يقصر العارف عن نيلها كقوله عز وجل وإني لغفار ثم أتبع ذلك بأربعة شروط لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى وقوله تعالى : والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ذكر أربعة شروط وحيث اقتصر ذكر شرطا جامعا فقال تعالى : إن رحمت الله قريب من المحسنين فالإحسان يجمع الكل وهكذا من يتصفح القرآن من أوله إلى آخره .

ومن فهم ذلك فجدير بأن يكون حاله الخشية والحزن ولذلك قال الحسن والله ما أصبح اليوم عبد يتلو القرآن يؤمن به إلا كثر حزنه ، وقل فرحه ، وكثر بكاؤه ، وقل ضحكه ، وكثر نصبه وشغله ، وقلت راحته ، وبطالته .

وقال وهيب بن الورد نظرنا في هذه الأحاديث ، والمواعظ فلم نجد شيئا أرق للقلوب ، ولا أشد استجلابا للحزن من قراءة القرآن ، وتفهمه ، وتدبره .

فتأثر العبد بالتلاوة أن يصير بصفة الآية المتلوة فعند الوعيد وتقييد المغفرة بالشروط يتضاءل من خيفته كأنه يكاد يموت وعند التوسع ووعد المغفرة يستبشر كأنه يطير من الفرح وعند ذكر الله ، وصفاته ، وأسمائه يتطأطأ خضوعا لجلاله واستشعارا لعظمته وعند ذكر الكفار ما يستحيل على الله عز وجل كذكرهم لله عز وجل ، ولدا وصاحبة يغض صوته ويكسر في باطنه حياء قبح مقالتهم وعند وصف الجنة ينبعث بباطنه شوقا إليها وعند وصف النار ترتعد فرائصه خوفا منها ولما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن مسعود اقرأ علي قال فافتتحت سورة النساء فلما بلغت فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا رأيت عينيه تذرفان بالدمع ، فقال لي : حسبك الآن وهذا لأن مشاهدة تلك الحالة استغرقت قلبه بالكلية .

ولقد كان في الخائفين من خر مغشيا عليه عند آيات الوعيد .

ومنهم من مات في سماع الآيات فمثل هذه الأحوال يخرجه عن أن يكون حاكيا في كلامه فإذا قال : إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم ولم يكن خائفا كان حاكيا .

وإذا قال : عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير ولم يكن حاله التوكل والإنابة كان حاكيا .

وإذا قال ولنصبرن على ما آذيتمونا فليكن حاله الصبر أو العزيمة عليه حتى يجد حلاوة التلاوة .

فإن لم يكن بهذه الصفات ولم يتردد قلبه بين هذه الحالات كان حظه من التلاوة حركة اللسان مع صريح اللعن على نفسه في قوله تعالى ألا لعنة الله على الظالمين وفي قوله تعالى : كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون وفي قوله عز وجل : وهم في غفلة معرضون وفي قوله : فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا وفي قوله تعالى : ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون إلى غير ذلك من الآيات وكان داخلا في معنى قوله عز وجل ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني يعني التلاوة المجردة وقوله عز وجل : وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون ; لأن القرآن هو المبين لتلك الآيات في السموات والأرض ومهما تجاوزها ولم يتأثر بها كان معرضا عنها ولذلك قيل : إن من لم يكن متصفا بأخلاق القرآن فإذا قرأ القرآن ناداه الله تعالى ما لك ولكلامي ؟ وأنت معرض عني دع عنك كلامي ، إن لم تتب إلي .

ومثال العاصي إذا قرأ القرآن وكرره ، مثال من يكرر كتاب الملك في كل يوم مرات ، وقد كتب إليه في عمارة مملكته وهو مشغول بتخريبها ومقتصر على دراسة كتابه فلعله لو ترك الدراسة عند المخالفة لكان أبعد عن الاستهزاء واستحقاق المقت .

ولذلك قال يوسف بن أسباط إني لأهم بقراءة القرآن فإذا ذكرت ما فيه خشيت المقت فأعدل إلى التسبيح والاستغفار .

والمعرض عن العمل به أريد بقوله عز وجل : فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقرءوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم ، ولانت له جلودكم ، فإذا اختلفتم فلستم تقرؤونه وفي بعضها فإذا اختلفتم فقوموا عنه قال الله تعالى الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون وقال صلى الله عليه وسلم : إن أحسن الناس صوتا بالقرآن الذي إذا سمعته يقرأ رأيت أنه يخشى الله تعالى وقال صلى الله عليه وسلم لا يسمع القرآن من أحد أشهى ممن يخشى الله عز وجل يراد لاستجلاب هذه الأحوال إلى القلب والعمل ، به وإلا فالمؤنة في تحريك اللسان بحروفه خفيفة ، ولذلك قال بعض القراء : قرأت القرآن على شيخ لي ، ثم رجعت لأقرأ ثانيا فانتهرني ، وقال : جعلت القرآن علي عملا اذهب فاقرأ على الله عز وجل ، فانظر بماذا يأمرك وبماذا ينهاك وبهذا ، ؟ كان شغل الصحابة رضي الله عنهم في الأحوال والأعمال فمات رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عشرين ألفا من الصحابة لم يحفظ القرآن منهم إلا ستة اختلف في اثنين منهم .

وكان أكثرهم يحفظ السورة والسورتين وكان الذي يحفظ البقرة والأنعام من علمائهم ولما جاء واحد ليتعلم القرآن فانتهى إلى قوله عز وجل فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره قال يكفي هذا وانصرف ، فقال صلى الله عليه وسلم : انصرف الرجل وهو فقيه وإنما العزيز مثل تلك الحالة التي من الله عز وجل بها على قلب المؤمن عقيب فهم الآية .

فأما مجرد حركة اللسان فقليل الجدوى بل التالي باللسان المعرض عن العمل جدير بأن يكون هو المراد بقوله تعالى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى وبقوله عز وجل كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى أي تركتها ولم تنظر إليها ، ولم تعبأ بها فإن المقصر في الأمر يقال : إنه نسي الأمر وتلاوة القرآن حق تلاوته هو أن يشترك فيه اللسان والعقل والقلب فحظ اللسان تصحيح الحروف بالترتيل وحظ العقل تفسير المعاني وحظ القلب الاتعاظ والتأثر بالانزجار ، والائتمار فاللسان يرتل والعقل يترجم والقلب يتعظ .

التالي السابق


(الثامن: التأثر وهو أن يتأثر قلبه ) عند تلاوته، (بآثار مختلفة بحسب اختلاف الآيات فيكون له بحسب كل فهم حال، ووجد يتصف به قلبه من الحزن) والبكاء، (والخوف والرجاء وغيره، ومهما تمت معرفته) في معاني ما يتلو .

(كانت الخشية أغلب الأحوال على قلبه) ، والرهبة ألزم الأوصاف به (فإن التضييق غالب على آيات القرآن فلا ترى ذكر الرحمة والمغفرة) في آية (إلا مقرونا بشروط يقصر القارئ عن نيلها) ، وأنى له ذلك مع عدم تلك الشروط، (كقوله عز وجل وإني لغفار ) أتاه بصيغة الكثرة إشعارا بعموم مغفرته، وهو يدعو إلى فتح باب الرجاء، (ثم أتبع ذلك بأربعة شروط) ، فقال: ( لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ) فعلق تمام المغفرة [ ص: 518 ] بالتوبة والإيمان والعمل الصالح، والاهتداء إلى سبيل الحق .

ولما كان الاهتداء كذلك متوقفا على ما قبله ذكره بكلمة، ثم إشارة إلى بعد منزلته، ورفعة رتبته (وقوله تعالى: والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) ، فهذه السورة (ذكر) فيها (أربعة شروط) لنفي الخسارة عن الإنسان فإذا لم توجد فيه فهو خاسر في تجارته، الإيمان، والعمل الصالح، والمواصاة بالحق، والمواصاة بالصبر، (وحيث اقتصر) على شرط واحد (ذكر شرطا جامعا) لغالب الشروط المذكورة .

(فقال تعالى: إن رحمت الله قريب من المحسنين ) ، ولم يقل من المؤمنين، ولا من العاملين، ولا غير ذلك (فالإحسان يجمع الكل) من الشروط، بل هو إشارة إلى كمال كل شرط مذكور، (وهكذا من يتصفح القرآن من أوله إلى آخره) آية آية يجد ما ذكر، (ومن فهم ذلك) في تلاوته (فجدير) ، أي حقيق (بأن يكون حاله الخشية) ، والرهبة، (والحزن) ، والوجد والبكاء وتغير اللون، والصعق وغير ذلك .

(ولذلك قال الحسن) البصري رحمه الله تعالى: (والله ما أصبح اليوم عبد يتلو) هذا (القرآن يؤمن به إلا كثر حزنه، وقل فرحه، وكثر بكاؤه، وقل ضحكه، وكثر نصبه) ، أي تعبه (وشغله، وقلت راحته، وبطالته) ، كذا نقله صاحب القوت، (وقال وهيب بن الورد) المكي رحمه الله تعالى: (نظرنا في هذه الأحاديث، والمواعظ فلم نجد شيئا أرق للقلوب، ولا أشد استجلابا للحزن من قراءة القرآن، وتفهمه، وتدبره ) .

قال أبو نعيم في الحلية: أخبرنا علي بن يعقوب بن أبي العقب في كتابه، وحدثني عنه عثمان بن محمد، قال: حدثنا جعفر بن أحمد بن عاصم، حدثنا أحمد بن أبي الحواري، حدثنا أبو علي صاحب القاضي عن عبد الله بن المبارك، عن وهيب بن الورد، قال: نظرنا في هذا الحديث فلم نجد شيئا أرق لهذه القلوب، ولا أشد استجلابا للحق من قراءة القرآن لمن تدبره، (فتأثر العبد بالتلاوة أن يصير بصفة الآية المتلوة فعند) ذكر (الوعيد) ، والزجر، والتهديد، (وتقييد المغفرة بالشروط يتضاءل) ، أي: يحتقر، ويتصاغر (من خيفة كأنه يكاد يموت) ، ويغلب عليه الحزن، والكآبة، (وعند التوسع ووعد المغفرة يستبشر) ، ويفرح (كأنه يطير من الفرح) ، والاستبشار بما أعد الله له من النعيم .

(وعند ذكر الله تعالى، وصفاته، وأسمائه يتطأطأ خضوعا) ، وتذللا (لجلاله) ، وهيبته (واستشعارا لعظمته) ، وكبريائه، (وعند ذكر الكفار ما يستحيل على الله عز وجل كذكرهم لله عز وجل، ولدا وصاحبة بغض صوته) قليلا، عن عادته المستمرة، (وينكسر في باطنه حياء من قبح مقالتهم) ، ونسبتهم إليه عز وجل ما لا يليق بذاته المقدسة كل ذلك تأدبا في المقام، وإجلالا للملك العلام، (وعند وصف الجنة ينبعث بباطنه شوقا لها) ، وإلى ما أعد الله فيها لأهلها من النعيم المقيم، (وعند وصف النار ترتعد فرائصه خوفا منها) ، وهيبة مما فيها من العذاب المقيم لأهلها .

(ولما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن مسعود ) - رضي الله عنه -: (اقرأ علي) ، قال: أقرأ عليك، وعليك أنزل قال: إني أحب أن أسمعه من غيري، قال: (فافتتحت سورة النساء فلما بلغت) ، قوله تعالى: (فكيف إذا جئتنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا رأيت عينيه تذرفان) أي تفيضان (بالدمع، فقال لي: حسبك الآن) ، أي أمسك، عن القراءة، تقدم تخريج الحديث في الباب الذي قبله (وهذا لأن مشاهدة تلك الحالة) الحاصلة في الموقف بين يدي الله عز وجل، قد (استغرقت قلبه بالكلية) فصارت كأنها حاضرة عنده .

(ولقد كان في الخائفين من خر مغشيا عليه عند آيات الوعيد) ، منهم الربيع بن خيثم، وقد تقدمت قصته في كتاب الصلاة، قال عبد الله بن أحمد في زوائد المسند: حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي، حدثنا أبو بكر بن عياش، حدثنا عيسى بن سليم، عن أبي وائل، قال: خرجنا مع عبد الله يعني ابن مسعود - رضي الله عنه -، ومعنا الربيع بن خيثم، فمررنا على حداد فقام عبد الله ينظر إلى حديدة في النار، فنظر إليها الربيع فتمايل للتيقظ فمضى [ ص: 519 ] عبد الله حتى أتينا على أتون بشاطئ الفرات، فلما رآه عبد الله، والنار تلتهب فيه قرأ إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا، وزفيرا إلى قوله ثبورا، فصعق الربيع فاحتملناه إلى أهله فرابطه عبد الله إلى الظهر، فلم يفق، ثم رابطه إلى العصر فلم يفق، ثم رابطه إلى المغرب فلم يفق، ثم أفاق فتوجه عبد الله إلى أهله، ومنهم أبو أسيد كان يصعق إذا سمع آية شديدة، وكان مستجاب الدعوة، وكان يقال: إنه من الأبدال، وهو تابعي صغير، أخرج قصته ابن أبي داود في كتاب الشريعة، وقد جاء في حديث مرفوع بسند معضل .

قال أبو عبيد: حدثنا وكيع ، حدثنا حمزة الزيات، عن حمدان بن أعين، قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يقرأ إن لدينا أنكالا وجحيما وطعاما ذا غصة وعذابا أليما فصعق، (ومنهم من مات عند سماع بعض الآيات) ، تقدم ذكر جماعة منهم في كتاب الصلاة، وأورد أبو إسحاق الثعلبي المفسر في كتابه قتلى القرآن، منهم عددا كثيرا، ومن المشهورين بذلك زرارة بن أوفى من ثقات التابعين، وكان قاضي البصرة.

أخرج الترمذي في أواخر كتاب الصلاة من جامعه من طريق بهز بن حكيم، قال: صلى بنا زرارة بن أوفى صلاة الفجر، فلما بلغ فإذا نقر في الناقور شهق شهقة، فمات، وقد ذكرنا ذلك في كتاب الصلاة بأبسط مما هنا (فمثل هذه الأحوال تخرجه عن أن يكون حاكيا في كلامه) غير متحقق بمضمونه، (فإذا قال: إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم ولم يكن خائفا) من عذاب الله (كان حاكيا) للعبارة، (وإذا قال: ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير ولم يكن حاله التوكل والإنابة) ، والتفويض إلى الله في سائر أموره (كان حاكيا) لفظ التلاوة، (وإذا قال ولنصبرن على ما آذيتمونا فليكن حاله حالة الصبر) على أذى المخالفين، (أو العزيمة عليه حتى يجد حلاوة التلاوة) ، فيما يتلوه (فإن لم يكن بهذه الصفات) متصفا، (ولم يتردد قلبه بين هذه الحالات) من الخوف، والتوكل، والإنابة، (كان حظه من التلاوة حركة اللسان) فقط، وهو غير مجد منها (مع صريح اللعن على نفسه في قوله ألا لعنة الله على الظالمين ) وهو ظالم لنفسه، أو على غيره، (وفي قوله تعالى: كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) ، وهو يقول ما لا يفعل فيمقت بذلك عند الله، والمقت أشد الغضب .

(وفي قوله تعالى: وهم في غفلة معرضون ) وهذه الغفلة، عن ذكر الله والإعراض عنه بما سواه (وفي قوله تعالى: فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا ) ، وعنده التولي، عن ذكر الله وحب المال والجاه، (وفي قوله تعالى: ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون ) ، وهو لا يتوب وليست له عزيمة عليه (إلى غير ذلك من الآيات) الواردة في ذلك فلولا أنه يكون هو الخائف لليوم العظيم، وهو المتوكل المنيب وهو الصابر على الأذى، والمتوكل على المولى، وإلا كان مخبرا، عن قائل قاله فلا يجد حلاوة ذلك، ولا ميراثه فإذا كان كذلك وجد حلاوة التلاوة، وتحقق بحسن الولاية، وإذا تلا الآي المذموم أهلها الممقوت فاعلها من التولي والظلم وحب الدنيا فما أقبح أن يعيب ذلك، وهو من أهله، وما أعظم أن يذم أهل ذلك، وهو بوصفه فهذا من حجيج القرآن عليه فلا يجد مع ذلك حلاوة المناجاة، ولا يسمع خطاب المتناجي; لأن وصفه المذموم قد حجبه، وهو المردى، وعن حقيقة الفهم قد حرمه، ولأن قسوة قلبه عن الفهم صرفه، وكذبه في حاله عن البيان أحرمه، فإذا كان هو المتيقظ المقبل، وهو التائب الصادق سمع فصل الخطاب، نظر إلى الداعي، وله استجاب، والتالي إذا خالف هذا الوصف الذي شرحناه، أو كان على ضد ذلك من السهو والغفلة والعماء والحيرة، محادثا لنفسه مصغيا إلى هواه ووسوسة عدوه، ومتوهما للظنون عاكفا على الأماني، (كان داخلا في معنى قوله عز وجل ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني يعني التلاوة المجردة) لا غير، وإن هم إلا يظنون فوصفهم بالظن، وهو ضد اليقين .

كما أخبر عن الظانين في قولهم: إن نظن إلا ظنا ، وما نحن بمستيقنين (وفي معنى قوله تعالى: وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون ; لأن القرآن) من أجل آيات الله و (هو المبين لتلك الآيات في السماوات والأرض) الدال على فاطرهما ومنزله، (ومهما تجاوزها ولم يتأثر بها كان معرضا [ ص: 520 ] عنها) ، وأيضا كان داخلا بوصف من تهدده بعلمه فيه عند استماعه لكلامه العزيز متهاونا به مناجيا لغيره إذ يقول تعالى نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى وبوصف من أخبر عنه إذ يقول تعالى فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا الآية، هذا وصفهم الظن الكاذب، والرجاء المخلف اللذان لم يقترنا إلى خوف وإشفاق وخالفوه عاجلا، وتمنوا عليه المغفرة جهلا منهم بحكمته تعالى، وأعرضوا عن أحكامه، قال الله تعالى ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق ثم أخبر عن علمهم بذلك علم قول، وخبر لا علم يقين ومعاينة .

فقال تعالى: ودرسوا ما فيه أي قرءوا ما فيه، وعلموه ولم يعملوا به، فلم ينتفعوا بشيء منه فكان هذا توبيخا لهم وتقريعا، كقوله تعالى: قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين (ولذلك قيل: إن لم يكن متصفا بأخلاق القرآن) منصبغا بمعانيه، (فإذا قرأ القرآن ناداه الله عز وجل مالك ولكلامي؟ وأنت معرض عني دع عنك كلامي، إن لم تتب إلي) ، وهذا المعنى قد تقدم للمصنف بلفظ: إن العبد إذا تلا القرآن، واستقام نظر الله إليه برحمته، فإذا قرأ القرآن، وخلط ناداه الله تعالى مالك ولكلامي وأنت معرض عني دع عنك كلامي إن لم تتب إلي .

(ومثال العاصي إذا قرأ القرآن وكرره، مثال من يكرر كتاب الملك في كل يوم مرات، وقد كتب إليه في عمارة مملكته) بالعدل والإصلاح، (وهو مشغول بتخريبها) بالظلم والإفساد، (ومقتصر على دراسة كتابه فلعله لو ترك الدراسة عند المخالفة) المتحققة لأوامره ونواهيه، (لكان أبعد عن الاستهزاء) لكلام الملك، (واستحقاق المقت) منه، (ولذلك قال يوسف بن أسباط) الشيباني: (إني لأهم بقراءة القرآن) أي: أعزم عليها (فإذا ذكرت ما فيه) أي في القرآن، (خشيت المقت) من الله على نفسي، (فأعدل إلى التسبيح والاستغفار) ، كذا في القوت .

وقال أبو نعيم في الحلية: حدثنا إبراهيم بن عبد الله، حدثنا محمد بن إسحاق، سمعت المؤمل بن الشماخ المصيصي، يقول: سمعت يوسف بن أسباط يقول: إني لأهم بقراءة السورة فإذا كان ليس يعمل بما فيها لم تزل السورة، تلعنه من أولها إلى آخرها، وما أحب أن يلعنني القرآن، حدثنا أحمد بن إسحاق، حدثنا محمد بن يحيى بن منده، حدثنا أبو عمران الطرسوسي، سمعت أبا يوسف الغسولي يقول: كتب حذيفة المرعشي إلى يوسف بن أسباط، أو يوسف إلى حذيفة، أما بعد فإنه من قرأ القرآن، ثم آثر الدنيا فهو ممن اتخذ آيات الله هزوا، ومن كان طلب الفضائل أهم إليه من ترك الذنوب فهو مخدوع، وقد خشيت أن يكون خير أعمالنا أضر علينا من ذنوبنا، (والمعرض عن العمل به) ، أي: بالقرآن (أزيد إثما لقوله تعالى: فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون ) ، وفي قوله تعالى السابق ذكره: ودرسوا ما فيه وجه غريب ذكره صاحب القوت، وهو أن معناه محوه بترك العمل به، والفهم له من قولك درست الريح الآثار إذا محتها أو خط دارس وربع دارس إذا أمحي، وعفا أثره وهذا المعنى مواطئ لقوله تعالى: فنبذوه وراء ظهورهم الآية، وهي التي ذكرها المصنف، ومواطئ لقوله تعالى: نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون واتبعوا ما تتلو الشياطين أي ما تتبع وتهوى وكل آية في التهديد، والوعيد فللخائفين منها وعظ وتخويف .

وللغافلين منها وصف وتعريف علمه من علمه، (ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرءوا القرآن ما ائتلفت) ، أي: اجتمعت (عليه قلوبكم، ولانت له جلودكم، فإذا اختلفتم فلستم تقرؤنه وفي بعضها) ، أي: الروايات (فإذا اختلفتم فيه فقوموا عنه) ، هكذا أورده في القوت بالروايتين .

قال العراقي: متفق عليه من حديث جندب بن عبد الله البجلي باللفظ الثاني دون قوله ولانت جلودكم اهـ .

قلت: وكذلك رواه أحمد والنسائي ورواه مسلم أيضا، والطبراني عن أبي بكر ورواه النسائي أيضا، عن معاذ بن جبل، ومعنى الحديث دوموا على قراءته ما دامت قلوبكم تألف القراءة بنشاط، وخواطركم مجموعة فإذا صارت قلوبكم في فكرة شيء سوى قراءتكم، وحصلت القراءة [ ص: 521 ] بألسنتكم مع غيبة قلوبكم فلا تفهمون ما تقرؤن فاتركوه إلى وقت تعودون في محبة قراءته إلى الحالة الأولى، فإنه أعظم من قراءته بغير حضور قلب فإن الاختلاف في القرآن يؤدي إلى الجدال، والجدال إلى الجحد، وتلبيس الحق بالباطل، وقوله: ولانت جلودكم ليس عند الجماعة، وهو مواطئ لقوله تعالى ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله وهو كناية عن الخشية والإذعان لقبول ما يرد عليه من آثار الفهم، فإذا صفا القلب بنور اليقين، وأيد العقل بالتوفيق والتمكين، وتجرد الهم من تعلق بخلق، وتألف السر بالعكوف على الخالق، وخلت النفس من الهوى سرت الروح، فجالت في الملكوت الأعلى كشف للقلب بنور اليقين الثابت ملكوت العرش عن معاني صفات موصوف، وأحكام خلاق، ومألوف، وباطن أسماء معروف، وغرائب علم رحيم رؤف فشهد عن الكشف أوصاف ما عرف فقام حينئذ بشهادة ما عرف فكان ممن (قال الله تعالى) يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به وممن قال الله تعالى ( إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا ) أولئك هم المؤمنون حقا لأنه إذا أعطاه حقيقة من الإيمان أعطاه من معناه حقيقة من مشاهدة، وكانت تلاوته عن شهادة، وكان مزيده من معنى تلاوته، وكان ذلك على معيار حقيقة من إيمانه، فيكون العبد بوصف من نعت بالحضور، والإنذار، وخص بالمزيد والاستبشار في قوله فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين .

ومن قوله تعالى: فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون ويكون بنعت من مدحه بالعلم، وأثنى عليه بالرجاء ووصفه بالخوف في قوله تعالى: يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ، ثم إن أعلم الخلق بمعاني الكلام أعرفهم بمعاني الصفات، وأعرف العباد بمعاني الأوصاف، والأخلاق، وغامضات الأحكام أعرفهم بسرائر الخطاب، ووجه الحروف ومعاني باطن الكلام، وأحقهم بذلك أخشاهم له، وأخشاهم له أقربهم منه، وأقربهم منه من خصه بأثرته، وشمله بعنايته .

(و) قد (قال صلى الله عليه وسلم: إن أحسن الناس صوتا بالقرآن الذي إذا سمعته يقرأ رأيت أنه يخشى الله تعالى ) ، ولا يخشاه حتى يعرفه ولا يعرفه حتى يعامله، ولا يعامله حتى يقربه، ولا يقربه حتى يعني فيه، وينظر إليه فعندها عرف سر الخطاب، واطلع على باطن الكتاب، قال العراقي: رواه ابن ماجه بسند ضعيف من حديث جابر اهـ .

قلت: ورواه محمد بن نصر في كتاب الصلاة، والبيهقي في السنن، والخطيب في التاريخ، عن ابن عباس، ورواه السجزي في الإبانة والخطيب أيضا، عن ابن عمر، ورواه الديلمي عن عائشة كلهم بلفظ: أحسن الناس قراءة الذي إذا قرأ رأيت أنه يخشى الله .

أما حديث جابر الذي أشار إليه العراقي فرواه ابن ماجه، عن بشر بن معاذ، حدثنا عبد الله بن جعفر، حدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع، عن أبي الزبير، عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أحسن الناس صوتا بالقرآن الذي إذا سمعت قراءته حسبت أنه يخشى الله.

ورواه الآجري في فوائده عن عمر بن أيوب السقطي، حدثنا القواريري حدثنا عبد الله بن جعفر فذكر مثله، وأخرجه ابن أبي داود من وجه آخر، عن عبد الله بن جعفر وهو المديني، والد علي، وفيه وفي شيخه إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع ضعف، وهذا معنى قول العراقي بسند ضعيف، وأما حديث ابن عمر، فروي من طرق منها مرسل .

رواه سفيان الثوري، عن ابن جريج، عن ابن طاوس، عن أبيه، وعن الحسن بن مسلم، عن طاوس قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس صوتا بالقرآن؟ قال: الذي إذا سمعته رأيت أنه يخشى الله، وقال الدارمي ، حدثنا جعفر، حدثنا مسعر، عن عبد الكريم، عن طاوس بنحوه، هكذا أخرجه محمد بن نصر من رواية وكيع عن مسعر، وهو مرسل حسن السنة، وجاء من وجه آخر عن طاوس موصولا، قال عبد بن حميد: حدثنا عثمان بن عمر، حدثنا مرزوق أبو بكر، عن سليمان الأحول، عن طاوس، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي الناس أحسن قراءة؟ قال: الذي إذا سمعت قراءته رأيت أنه يخشى الله عز وجل، أخرجه محمد بن نصر، عن محمد بن يحيى، عن عمر بن أبي عمر، عن مرزوق [ ص: 522 ] وأخرجه ابن أبي داود في كتاب الشريعة، عن عبد الله بن محمد، عن أبي نعيم، عن مرزوق مولى طلحة الباهلي وثقه أبو زرعة الرازي.

ومنها قال الطبراني: حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا محمد بن معمر، حدثنا حميد بن حماد، عن مسعر، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس صوتا بالقرآن فذكر مثله، وأخرجه البزار عن محمد بن معمر، وأخرجه ابن أبي داود من وجه آخر، عن حميد بن حماد، قال البزار: لم يتابع حميد عليه، وإنما رواه مسعر، عن عبد الكريم يعني، كما تقدم مرسلا، ولحديث طاوس شاهد من مرسل الزهري.

قال عبد الله بن المبارك: حدثني يونس بن يزيد، عن الزهري بلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: أحسن الناس صوتا بالقرآن الذي إذا سمعته رأيت أنه يخشى الله، (وقال صلى الله عليه وسلم لا يسمع القرآن من أحد أشهى منه ممن يخشى الله عز وجل ) ، قال العراقي: رواه أبو عبد الله الحاكم فيما ذكر أبو القاسم الغافقي في كتاب فضائل القرآن اهـ .

قلت: ولم يذكر صحابيه، وقد رواه ابن المبارك، عن طاوس مرسلا، ورواه السجزي في الإبانة، عن طاوس، عن أبي هريرة، (فالقرآن يراد لاستجلاب هذه الأحوال إلى القلب، وللعمل به) ، والاهتداء بأنواره، (وإلا فالمؤنة في تحريك اللسان بالحروف خفيفة، ولذلك قال بعض القراء: قرأت القرآن) ، ولفظ القوت، وحدثني شيخ فاضل قرأت عليه القرآن، قال: قرأت القرآن (على شيخ لي، ثم) لما ختمته عليه (رجعت) إليه، (لأقرأ ثانيا فانتهرني، وقال: جعلت القراءة علي عملا اذهب فاقرأ على الله تعالى، فانظر ماذا يأمرك، وينهاك، وماذا يفهمك؟ ولقد كان شغل الصحابة رضي الله عنهم في الأحوال والأعمال) لا في الأقوال (فمات صلى الله عليه وسلم عن عشرين ألفا من الصحابة) .

قال العراقي: لعله أراد بالمدينة، وإلا فقد روينا عن أبي زرعة الرازي أنه قال: قبض عن مائة ألف وأربعة عشر ألفا من الصحابة ممن روى عنه، وسمع منه اهـ .

قلت: تقدم قول أبي زرعة، وهكذا ذكره غيره، وقد أسلفناه مفصلا في كتاب العلم فراجعه (لم يحفظ القرآن) كله، (منهم إلا ستة) أنفس، (اختلف منهم في اثنين) ، ففي الصحيحين من حديث أنس، قال: جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة كلهم من الأنصار أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد، وأبو زيد قلت: من أبو زيد؟ قال: أحد عمومتي وزاد ابن أبي شيبة في المصنف من رواية الشعبي مرسلا، وأبو الدرداء، وسعيد بن عبيد، وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر، واستقرئوا القرآن من أربعة من عبد الله بن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وقال صاحب القوت عن بعضهم: ولم يكن جمعه من الخلفاء الأربعة أحد، وختم ابن عباس على أبي، وقرأ عبد الرحمن بن عوف على ابن عباس، وقرأ عثمان بن عفان على زيد بن ثابت، وقرأ أهل الصفة على أبي هريرة، (وكان أكثرهم يحفظ السورة والسورتين) .

رواه ابن الأنباري في المصاحف بسنده إلى عمر - رضي الله عنه - قال: كان الفاضل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر هذه الأمة من يحفظ من القرآن السورة، أو نحوها الحديث وسنده ضعيف، (وكان الذي يحفظ) الحزب منه، وهو السبع، أو (البقرة والأنعام) يعد من (علمائهم) .

روى الترمذي، وحسنه من حديث أبي هريرة، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا، وهم ذوو عدد فاستقرأهم فاستقرأ كل رجل ما معه من القرآن فأتى على رجل من أحدثهم سنا، فقال: ما معك يا فلان؟ قال: معي كذا وكذا وسورة البقرة، فقال: أمعك سورة البقرة؟ قال" نعم، قال: اذهب فأنت أميرهم... الحديث

*وروى أحمد في مسنده من حديث أنس قال: كان الرجل إذا قرأ البقرة، وآل عمران جل في أعيننا، وأقام ابن عمر على حفظ البقرة ثمان سنين، رواه مالك في الموطإ (ولما جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعلم العلم، فلما كان عند باب المسجد سمع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يقرأ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره، فقال: يكفيني هذا فانصرف، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: انصرف الرجل وهو فقيه) .

قال العراقي: رواه أبو داود والنسائي في الكبرى، وابن حبان، والحاكم وصححه من حديث عبد الله بن عمر، وقال" أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أقرئني يا رسول الله... الحديث، وفيه: فأقرأه [ ص: 523 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زلزلت الأرض حتى فرغ منها، فقال الرجل: والذي بعثك بالحق لا أزيد عليها أبدا، ثم أدبر الرجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلح الرويجل، أفلح الرويجل، ولأحمد والنسائي في الكبرى من حديث صعصعة عم الفرزدق أنه صاحب القصة، وقال: حسبي لا أبالي أن لا أسمع غيرها، (وإنما العزيز مثل تلك الحالة التي يمن الله بها على قلب العبد عقيب فهم الآية فأما مجرد حركة اللسان) ، وشقشقته (فقليل الجدوى) ناقص الفائدة، (بل التالي باللسان المعرض عن العمل جدير بأن يكون هو المراد بقوله عز وجل ومن أعرض عن ذكري ) أي عن الهدي الذاكر لي، والداعي إلى عبادتي (فإن له معيشة ضنكا) ، أي ضيقا مصدر وصف به، وذلك لأن مجامع همه ومطامح نظره تكون إلى أعراض الدنيا متهالكا على ازديادها خائفا على انتقاصها، (ونحشره يوم القيامة أعمى) أعمى البصر، أو القلب، ويؤيد الأول قوله ( قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا ) الواضحة ( فنسيتها ) ، أي عميت عنها، ( وكذلك اليوم تنسى ) ، أي تترك في العمى، والعذاب قيل معنى فنسيتها، (أي تركتها ولم تنظر إليها، ولم تعبأ بها) ، أي لم تحتفل بشأنها (فإن المقصر في الأمر يقال: إنه نسي الأمر) ، أي تركه وقصر فيه، وهذا شائع عند أهل اللغة .

ثم قال: وكذلك نجزي من أسرف، ولم يؤمن بآيات ربه، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى، وكذلك قوله تعالى: ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا وفي بعض الأخبار: من نسي الصلاة علي أخطأ طريق الجنة، وإنما أراد بالنسيان الترك (و) المراد من (تلاوة القرآن) في قوله تعالى: يتلونه (حق تلاوته أن يشترك فيه اللسان والعقل والقلب فحظ اللسان تصحيح الحروف) ، وتجويدها (بالترتيل) المسنون، (وحظ العقل تفسير المعاني) المتحصلة من تلك الألفاظ، (وحظ القلب الاتعاظ والتأثر، والانزجار) ، عن النواهي، (والائتمار) بالأوامر (فاللسان واعظ) ناصح، (والعقل ترجمان) يترجم ما يفهمه من ذلك الوعظ، (والقلب متعظ) يقبله، أو يرده .




الخدمات العلمية