الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
9948 - لا يتمنى أحدكم الموت، إما محسنا فلعله يزداد، وإما مسيئا فلعله يستعتب (حم خ ن) عن أبي هريرة - (صح)

التالي السابق


(لا يتمنى) نهي أخرج بصورة النفي للتأكيد، ذكره القاضي، وهو كما في الكشاف أبلغ وآكد لأنه قدر أن المنهي حال ورود النهي عليه انتهى عن المنهي عنه، وهو يخبر عن انتهائه كأنه يقول: لا ينبغي للمؤمن المتزود للآخرة والساعي في ازدياد ما يثاب عليه من العمل الصالح أن يتمنى ما يمنعه عن البر والسلوك لطريق الله، وعليه الخبر السالف: خياركم من طال عمره وحسن عمله، لأن من شأنه الازدياد والترقي من حال إلى حال ومن مقام إلى مقام حتى ينتهي إلى مقام القرب كيف يطلب القطع عن مطلوبه (أحدكم الموت) لدلالته على عدم الرضا بما نزل الله به من المشاق، ولأن ضرر المرض مطهر للإنسان من الذنوب والموت قاطع له، ولأن الحياة نعمة، وطلب إزالة النعمة قبيح (إما محسنا فلعله يزداد) من فعل الخيرات (وإما مسيئا) بكسر همزة "إما" فيهما ونصب "محسنا" و "مسيئا". قال القاضي: وهو الرواية المعتد بها، تقديره: إن كان محسنا، فحذف الفعل بما استكن فيه من الضمير، وعوض عنه "ما" وأدغم في ميمها النون، ويحتمل أن يكون "إما" حرف القسم، و "محسنا" منصوب بأنه خبر "كان" والتقدير: إما أن يكون محسنا، أو حال والعامل فيه ما دل عليه الفعل السابق، أي إما أن يتمناه محسنا اهـ. وروي بفتحها ورفع محسن بجعله صفة لمبتدأ محذوف ما بعده، خبره "يستعتب"، وقال ابن مالك : تقديره: إما أن يكون محسنا وإما أن يكون مسيئا، فحذف "يكون" مع اسمها وأبقى الخبر قال: و "لعل" هنا شاهد على مجيء "لعل" للرجاء عن التعليل، وأكثر مجيئها في الرجاء إذا كان معه تعليل، وتعقبه الدماميني فقال: اشتمل كلامه على أمرين ضعيفين قابلين للنزاع، أما الأول: فجزمه بأن "محسنا" و "مسيئا" خبر لـ "يكون" محذوفا مع احتمال [ ص: 445 ] أن يكونا حالين من فاعل "يتمنى" وهو "أحدكم"، وعطف أحد الحالين على الآخر وأتى بعد كل حال بما ينبه على علة النهي عن تمني الموت، والأصل: لا يتمنى أحدكم الموت إما محسنا وإما مسيئا، أي سواء كان على حالة الإحسان أو الإساءة، أما إذا كان محسنا فلا يتمناه لعله يزداد إحسانا على إحسانه فيضاعف ثوابه، وإما أن يكون مسيئا فلا يتمناه، فلعله يندم على إساءته ويطلب الرضا، فيكون سببا لمحو ذنوبه، وأما الثاني: فادعاؤه أن أكثر مجيء "لعل" للترجي، وهذا قيد ممنوع، وكتب أكابر النحاة طافحة بالإعراض عنه (فلعله يستعتب) أي يطلب العتبى، أي الرضا لله بأن يحاول إزالة غضبه بالتوبة، ورد المظالم، وتدارك الفائت، وإصلاح العمل، ذكره القاضي، قال التوربشتي: والنهي وإن أطلق، لكن المراد منه التقييد بما وجه به من تلك الدلالة، وقد تمناه كثير من الصديقين شوقا إلى لقاء الله تعالى، وتنعما بالوصول لحضرته، وذلك غير داخل تحت نهي التقييد، والمطلق راجع للمقيد اهـ. هذا وليس لك أن تقول: لم تنحصر القسمة في هذين الوصفين؟ فلعله يكون مسيئا فيزداد إساءة، فتكون زيادة العمر زيادة له في الشقاء كما في خبر: شر الناس من طال عمره وساء عمله، أو لعله يكون محسنا فتنقلب حاله إلى الإساءة، لأنا نقول: ترجى المصطفى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم له زيادة الإحسان أو الانكفاف عن السوء بتقدير أن يدوم على حاله، فإذا كان معه أصل الإيمان فهو خير له بكل حال، وبتقدير أن يخف إحسانه فذلك الإحسان الخفيف الذي داوم عليه مضاعف له مع أصل الإيمان وإن زادت إساءته، فالإساءة كثير منها مكفر، وما لا يكفر يرجى العفو عنه، فما دام معه الإيمان فالحياة خير له كما بينه المحقق أبو زرعة

(حم خ) في الطب مطولا (ن عن أبي هريرة ) وهذا حديث اشتمل على جملتين: الأولى خرجها الشيخان وهي: لن يدخل أحدكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله بفضله ورحمته، والثانية هذه التي اقتصر عليها المصنف.



الخدمات العلمية