الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
10010 - يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا (ق حم ن) عن أنس - (صح)

التالي السابق


(يسروا) بفتح فتشديد، أي خذوا بما فيه التيسير على الناس بذكر ما يؤلفهم لقبول الموعظة في جميع الأيام، لئلا يثقل عليهم فينفروا، وذلك لأن التيسير في التعليم يورث قبول الطاعة، ويرغب في العبادة، ويسهل به العلم والعمل (ولا تعسروا) لا تشددوا، أردفه بنفي التعسير -مع أن الأمر بشيء نهي عن ضده- تصريحا لما لزم ضمنا للتأكيد، ذكره الكرماني، وأولى منه قول جمع: عقبه به إيذانا بأن مراده نفي التعسير رأسا، ولو اقتصر على "يسروا" لصدق على كل من يسر مرة وعسر كثيرا، كذا قرره أئمة هذا الشأن ومنهم النووي وغيره، وبه يعرف أن لا حاجة لما تكلفه المولى ابن الكمال حيث قال: أراد بالتعسير التهيئة كخبر: كل ميسر لما خلق له، فلا يكون قوله "ولا تعسروا" تأكيدا بل تأسيسا اهـ، وأنت خبير بأنه مع عدم دعاء الحاجة إليه لا يلائمه السياق بل ينافره (وبشروا) بفضل الله وعظيم ثوابه وجزيل عطائه وسعة رحمته وشمول عفوه ومغفرته، من التبشير، وهو إدخال السرور، والبشارة: الإخبار بخبر سار، وقوله "بشروا" بعد قوله "يسروا" فيه جناس خطي، ولم يكتف به بل أردفه بقوله (ولا تنفروا) لما مر، وهو من التنفير، أي لا تذكروا شيئا تنهزمون منه، ولا تصدروا بما فيه الشدة، وقابل به "بشروا" مع أن ضد البشارة النذارة، لأن القصد من النذارة التنفير، فصرح بالمقصود منها، ومن جعل معنى "يسروا": اصرفوا وجوه الناس إلى الله في الرغبة فيما عنده، وردوهم في طلب الحوائج إليه، ودلوهم في كل أحوالهم، ومعنى "لا تعسروا": لا تردوهم إلى الناس في طلب ما يحتاجونه، فقد صرف اللفظ عن ظاهره بلا ضرورة، وهذا الحديث -كما قال الكرماني وغيره- من جوامع الكلم، لاشتماله على الدنيا والآخرة، لأن الدنيا دار العمل، والآخرة دار الجزاء، فأمر المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالدنيا بالتسهيل، وفيما يتعلق بالآخرة بالوعد بالجميل والإخبار بالسرور، تحقيقا لكونه رحمة للعالمين في الدارين، وفيه الأمر بالتيسير بسعة الرحمة، والنهي عن التنفير بذكر التخويف، أي من غير ضمه إلى التبشير، وتأليف من قرب إسلامه، وترك التشديد عليه، والأخذ بالأرفق، [ ص: 462 ] وتحسين الظن بالله، لكن لا يجعل وعظه كله رجاء، بل يشوبه بالخوف، فيجعلها كأدنى حافر، والعلم والعمل كجناحي طائر

(حم ق ن عن أنس) بن مالك، ورواه البخاري وغيره عن أبي موسى الأشعري ، وذكر أنه قال ذلك له ولمعاذ لما بعثهما إلى اليمن، وزاد بعد ما ذكر هنا: وتطاوعا ولا تختلفا، قال أبو البقاء : وإنما قال "يسروا" بالجمع مع أن المخاطب اثنان، لأن الاثنين جمع في الحقيقة، إذ الجمع ضم شيء إلى شيء، أو يقال: إن الاثنين أميران، والأمير إذا قال شيئا توقع قبول الأمر إلى الجمع، أو أراد أمرهما وأمر من يوليانه.



الخدمات العلمية