الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2748 ص: وكان من الحجة لهم على أهل المقالة الأولى : أن حديث ابن عيينة الذي ذكرناه في أول هذا الباب قد رواه عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه قال : "رأيت رسول الله - عليه السلام - وأبا بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - يمشون أمام الجنازة " فصار في ذلك خبرا عن ابن عمر عمار رأي أي رسول الله - عليه السلام - وأبا بكر وعمر يفعلونه في ذلك ، وقد يجوز أن يكون كانوا يفعلون شيئا وغيره عندهم أفضل منه للتوسعة ; كما قد توضأ رسول الله - عليه السلام - مرة مرة والوضوء مرتين مرتين أفضل منه ، والوضوء ثلاثا ثلاثا أفضل من ذلك كله ولكنه فعل ما فعل من ذلك للتوسعة . [ ص: 244 ] ثم قد خالف ابن عيينة في إسناده في هذا الحديث كل أصحاب الزهري غيره ، فرواه مالكا عن الزهري ، قال : " كان رسول الله - عليه السلام - يمشي أمام الجنازة " ، فقطعه ، ثم رواه عقيل ، ويونس ، عن ابن شهاب ، عن سالم ، قال : " كان رسول الله - عليه السلام - وأبو بكر وعمر وعثمان يمشون أمام الجنازة . " هذا معناه ، وإن لم يكن لفظه كذلك ; لأن أصل حديثه إنما هو عن سالم ؛ قال : "كان عبد الله بن عمر يمشي أمام الجنازة ، وكذلك كان رسول الله - عليه السلام - وأبو بكر وعمر وعثمان " فصار هذا الكلام كله في هذا الحديث إنما هو عن سالم لا عن ابن عمر ، فصار حديثا منقطعا .

                                                وفي حديث يحيى بن أيوب ، عن عقيل : ، "كذلك السنة في اتباع الجنائز " زيادة على ما في حديث الليث 5 وسلامة ، عن عقيل : فكذلك أيضا لا حجة فيه ; لأنه إنما هو من كلام سالم ، أو من كلام الزهري . ، وقد روي عن ابن عمر خلافه مما سنرويه في موضعه من هذا الباب إن شاء الله تعالى .

                                                التالي السابق


                                                ش: أي وكان من الحجة والبرهان لهؤلاء الآخرين كل أهل المقالة الأولى : أن حديث سفيان بن عيينة . . . إلى آخره ، وهذا جواب عن الحديث الذي احتجت به أهل المقالة الأولى .

                                                وملخصه من وجهين .

                                                أحدهما : أن ما رواه الزهري ، عن سالم ، عن أبيه قال : "رأيت رسول الله - عليه السلام - وأبا بكر وعمر وعثمان يمشون أمام الجنازة " لا يدل على أن هذا أفضل من المشي خلفها ; لأنه قد يجوز أن يكون كانوا يفعلون شيئا والحال أن غيره كان أفضل منه عندهم ، ولكن إنما فعلوه لأجل التوسعة على الناس ، كما في الوضوء فإن النبي - عليه السلام - توضأ مرة مرة والحال أن التوضؤ مرتين مرتين أفضل منه ، وتوضأ مرتين مرتين والحال أن التوضؤ ثلاثا ثلاثا أفضل منه ، وإنما فعل ذلك توسعا لأمته وترفها لهم .

                                                والآخر : وهو الذي أشار إليه بقوله : "ثم قد خالف ابن عيينة . . . إلى آخره ، وهو ظاهر . [ ص: 245 ] وحاصله : أن أصل الحديث منقطع معضل فلا تقوم به الحجة ، على أنه روي عن ابن عمر ما يخالف هذا على ما يجيء إن شاء الله تعالى .

                                                فإن قيل : قد قال الترمذي : روى هذا الحديث ابن جريج وزياد بن سعد وغير واحد ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه نحو حديث ابن عيينة .

                                                قلت : وكذلك قال : رواه معمر ويونس بن يزيد ومالك بن أنس وغيرهم من الحفاظ عن الزهري : "أن النبي - عليه السلام - . . . . " فذكر الحديث ، ثم قال : وأهل الحديث كلهم يرون أن الحديث المرسل في ذلك أصح ، وسمعت يحيى بن موسى يقول : سمعت عبد الرزاق يقول : قال ابن المبارك : حديث الزهري في هذا مرسلا أصح من حديث ابن عيينة وأرى ابن جريج أخذه من ابن عيينة .

                                                ثم أخرجه الترمذي : عن [محمد بن مثنى ، عن محمد بن بكر] ، ثنا يونس بن يزيد ، عن الزهري ، عن أنس بن مالك قال : "كان النبي - عليه السلام - يمشي أمام الجنازة وأبو بكر وعمر وعثمان " . قال الترمذي : وسألت محمد بن إسماعيل -يعني البخاري - عن هذا الحديث فقال : أخطأ فيه محمد بن [بكر] وإنما يروى هذا عن يونس ، عن الزهري : "أن النبي - عليه السلام - وأبا بكر كانوا يمشون أمام الجنازة " .

                                                وقال النسائي : هذا حديث خطأ ، وهم فيه ابن عيينة ، وخالفه مالك فرواه عن الزهري مرسلا ، وهو الصواب .

                                                قال : وإنما أتي عليه فيه من جهة أن الزهري رواه عن سالم عن أبيه : "أنه كان يمشي أمام الجنازة " قال : "وكان النبي - عليه السلام - وأبو بكر وعمر يمشون أمام الجنازة " فقوله : "وكان النبي - عليه السلام - . . . " إلى آخره من كلام الزهري لا من كلام ابن عمر ، قال [ ص: 246 ] ابن المبارك : الحفاظ عن الزهري ثلاثة : مالك ، ومعمر ، وابن عيينة ، فإذا اجتمع اثنان منهم على قول أخذنا به وتركنا قول الآخر . انتهى .

                                                وقال أحمد بن حنبل : هذا الحديث عن الزهري : أن رسول الله - عليه السلام - مرسل ، وحديث سالم : فعل ابن عمر ، وحديث ابن عيينة كأنه وهم فيه .

                                                فإن قيل قال المنذري : وقد قيل : إن ابن عيينة من الحفاظ الأثبات ، وقد أتى بزيادة على من أرسل فوجب تقديم قوله ، على أن ابن عيينة قد تابعه على رفعه ابن جريج وزياد بن سعد وغير واحد ، وقال البيهقي : ومن وصله واستقر على وصله ولم يختلف عليه فيه -وهو سفيان بن عيينة - ثقة حجة .

                                                قلت : الجواب عن هذا ما قاله ابن المبارك ، وقد ذكرناه .

                                                فإن قيل : قال أبو عمر : وقد رواه بعض أصحاب مالك عن مالك موصولا ، فحينئذ يكون مالك وابن عيينة متفقين على الوصل ; فينبغي أن يؤخذ به دون قول معمر في القطع .

                                                قلت : قال أبو عمر نفسه الصحيح عن مالك : الإرسال ، وإن كان روى عنه بعض أصحابه موصولا ، وقال الخليلي : أسنده يحيى بن صالح الوحاظي ، عن مالك ، وهو وإن كان ثقة فلا يتابع على هذا الحديث .




                                                الخدمات العلمية