الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2819 2820 2821 ص: حدثنا أحمد بن داود ، قال : ثنا يعقوب بن حميد ، قال : ثنا محمد بن إسماعيل ، عن الضحاك بن عثمان ، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن : " أن عائشة - رضي الله عنها - حين توفي سعد بن أبي وقاص قالت : ادخلوا به المسجد حتى أصلي عليه ، فأنكر الناس ذلك عليها ، فقالت : لقد صلى رسول الله - عليه السلام - على سهيل بن البيضاء في المسجد " .

                                                حدثنا ابن مرزوق ، قال : ثنا القعنبي ، قال : ثنا مالك ، عن أبي النضر ، عن عائشة ، عن رسول الله - عليه السلام - بذلك .

                                                حدثنا أحمد بن داود ، قال : ثنا ابن أبي عمر ، قال : ثنا عبد العزيز بن محمد ، عن عبد الواحد بن حمزة ، عن عباد بن عبد الله بن الزبير : " أن عائشة - رضي الله عنها - أمرت بسعد بن أبي وقاص أن يمر به في المسجد . . . " ، . ثم ذكر مثل حديثه عن يعقوب .

                                                التالي السابق


                                                ش: هذه ثلاث طرق :

                                                الأول : إسناده صحيح على شرط مسلم : عن أحمد بن داود المكي ، عن يعقوب بن حميد بن كاسب المدني نزيل مكة ، شيخ البخاري في غير "الصحيح " وثقه ابن حبان ويحيى في رواية ، وقال البخاري : لم نر إلا خيرا ، هو في الأصل صدوق .

                                                عن محمد بن إسماعيل بن أبي فديك المدني روى له الجماعة ، عن الضحاك بن عثمان بن عبد الله بن خالد بن حزام القرشي الحزامي روى له الجماعة سوى البخاري ، عن أبي النضر -بالنون والضاد المعجمة- سالم بن أبي أمية القرشي المدني [ ص: 313 ] مولى عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي روى له الجماعة ، عن أبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف روى له الجماعة ، عن عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - .

                                                وهذا الحديث أخرجه الجماعة غير البخاري .

                                                فقال مسلم : حدثني هارون بن عبد الله ومحمد بن رافع واللفظ لابن رافع ، قالا : نا ابن أبي فديك ، قال : أنا الضحاك يعني ابن عثمان ، عن أبي النضر . . . إلى آخره نحوه ، غير أن في لفظه : "لقد صلى رسول الله - عليه السلام - على ابني بيضاء في المسجد سهيل وأخيه " .

                                                وقال أبو داود : نا سعيد بن منصور ، ثنا فليح بن سليمان ، عن صالح بن عجلان ومحمد بن عبد الله بن عباد ، عن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن عائشة قالت : "والله ما صلى رسول الله - عليه السلام - على سهيل بن البيضاء إلا في المسجد " .

                                                ثنا هارون بن عبد الله ، نا ابن أبي فديك . . . إلى آخره نحو رواية مسلم .

                                                وقال الترمذي : ثنا علي بن حجر ، قال : أبنا عبد العزيز بن محمد ، عن عبد الواحد بن حمزة ، عن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن عائشة قالت : "صلى رسول الله - عليه السلام - على سهيل بن بيضاء في المسجد " .

                                                قال أبو عيسى : هذا حديث حسن .

                                                وقال النسائي : أنا إسحاق بن إبراهيم وعلي بن حجر ، قالا : نا عبد العزيز . . . إلى آخره نحو رواية الترمذي ، إلا أن في لفظه : "ما صلى رسول الله - عليه السلام - على سهيل بن بيضاء إلا في المسجد " . [ ص: 314 ] وقال ابن ماجه : ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، نا يونس بن محمد ، نا فليح بن سليمان ، عن صالح بن عجلان ، عن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن عائشة قالت : "والله ما صلى رسول الله - عليه السلام - على سهيل بن بيضاء إلا في المسجد " .

                                                الثاني : عن إبراهيم بن مرزوق ، عن عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي شيخ البخاري وأبي داود ، عن مالك بن أنس ، عن أبي النضر سالم بن أبي أمية ، عن عائشة . وهذا منقطع .

                                                وأخرجه مالك في موطئه : عن أبي النضر ، عن عائشة زوج النبي - عليه السلام - : "أنها أمرت أن يمر عليها بسعد بن أبي وقاص في المسجد حين مات لتدعو له ، فأنكر ذلك الناس عليها ، فقالت عائشة - رضي الله عنها - : ما أسرع ما نسي الناس! ما صلى رسول الله - عليه السلام - على سهيل بن البيضاء إلا في المسجد " .

                                                قال أبو عمر : هكذا هذا الحديث عند جمهور الرواة منقطعا . ورواه حماد بن خالد الخياط ، عن مالك ، عن أبي النضر ، عن أبي سلمة ، عن عائشة قالت : "ما أسرع الناس إلى النسي! ما صلى رسول الله - عليه السلام - على سهيل بن البيضاء إلا في المسجد " . فانفرد بذلك ، عن مالك .

                                                قلت : إنما قال : عند جمهور الرواة منقطعا ; لأنن أبا النضر لم يسمع من عائشة شيئا قال ابن وضاح : ولا أدركها ، وإنما يروي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عنها ، قال : وكذلك أسنده مسلم وغمز عليه الدارقطني ، قال : ولا يصح إلا مرسلا عن أبي النضر عن عائشة ; لأنه قد خالف في ذلك رجلان حافظان : مالك والماجشون ، روياه عن أبي النضر عن عائشة - رضي الله عنها - .

                                                الثالث : عن أحمد بن داود المكي ، عن محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني شيخ مسلم والترمذي وابن ماجه وصاحب "المسند "، عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، [ ص: 315 ] عن عبد الواحد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير بن العوام ، عن عمه عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن عائشة .

                                                وهذا إسناد صحيح متصل وأخرجه الأربعة من حديث عباد بن عبد الله كما ذكرناه .

                                                قوله : "حين توفي سعد بن أبي وقاص " كانت وفاته في المشهور في سنة خمس وخمسين من الهجرة ، وهو ابن ثلاث وسبعين ، وقيل : ابن ثلاث وثمانين ، وكان موته في قصره بالعقيق على عشرة أميال من المدينة ، وحمل إلى المدينة على رقاب الرجال ، ودفن بالبقيع ، وصلى عليه مروان بن الحكم ، وهو آخر العشرة المبشرة بالجنة وفاة ، وأبو وقاص اسمه مالك بن أهيب ويقال : وهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي ، يلتقي مع رسول الله - عليه السلام - في كلاب بن مرة ، أسلم سعد قديما وهاجر إلى المدينة قبل النبي - عليه السلام - ، وشهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله - عليه السلام - ، وكان يقال له : فارس الإسلام ، وهو أول من رمى في سبيل الله ، وكان مجاب الدعوة ، وهو الذي كوف الكوفة ، ونفى الأعاجم ، وتولى قتال فارس ، أمره عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ، وفتح الله على يديه أكثر فارس .

                                                قوله : "ادخلوا به " بضم الهمزة من دخل يدخل ، وعدي بالباء ، والمعنى : أدخلوه المسجد .

                                                قوله : " سهيل بن البيضاء " وهي أمه ، واسم أبيه وهب بن ربيعة بن عامر بن ربيعة بن هلال بن مالك بن ضبة بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة القرشي الفهري ، واسم أمه البيضاء دعد بنت الجحدم بن أمية بن ضبة بن الحارث بن فهر ، وهو أخو سهل وصفوان ابني البيضاء ، يعرفون بأمهم ، وسهل ممن أظهر إسلامه بمكة ، وهو الذي مشى إلى النفر الذين قاموا في نقض الصحيفة التي كتبها مشركو مكة على بني هاشم ، وتوفي سهيل وأخوه سهل بالمدينة في حياة النبي - عليه السلام - ، وصلى عليهما في المسجد وقيل : إن سهلا عاش بعد النبي - عليه السلام - ولم يعقبا قاله ابن إسحاق . [ ص: 316 ] وروى ابن منده بإسناده عن ابن إسحاق قال : كان موضع المسجد لغلامين يتيمين سهل وسهيل وكانا في حجر أسعد بن زرارة .

                                                وقال ابن الأثير : ظن ابن منده أن ابني البيضاء هما الغلامان اليتيمان اللذان كان لهما موضع المسجد ، وإنما كانا من الأنصار ، وأما ابنا بيضاء فهما من بني فهر كما ذكرناه ، وإنما دخل الوهم عليه حيث لم ينسبه إلى أب ولا قبيلة ، فلو نسبه لعلم الصواب .




                                                الخدمات العلمية