الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( وفي دعوى الأمان وجه ) أنه لا يصدق إلا ببينة لسهولتها وردوه بأن الظاهر من حال الحربي أنه لا يدخل إلا به أو بنحوه . ( ويشترط لعقدها الإمام أو نائبه ) العام أو في عقدها ؛ لأنها من المصالح العظام فاختصت بمن له النظر العام . ( وعليه ) أي أحدهما . ( الإجابة إذا طلبو ) ها للأمر به في خبر مسلم ومن ثم لم يشترط هنا مصلحة بخلاف الهدنة . ( إلا ) أسيرا أو . ( جاسوسا ) منهم وهو صاحب سر الشر بخلاف الناموس فإنه صاحب سر الخير . ( نخافه ) فلا تجب إجابتهما بل لا يقبل من الثاني للضرر ومن ثم لو ظهر له أن طلبها مكيدة منهم لم يجبهم . ( ولا تعقد إلا لليهود والنصارى ) وصابئة وسامرة لم يعلم أنهم يخالفونهم في أصل ديتهم سواء العرب والعجم ؛ لأنهم أهل الكتاب في آيتها . ( والمجوس ) ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر وقال : { سنوا بهم سنة أهل الكتاب } رواه البخاري ؛ ولأن لهم شبهة كتاب . ( وأولاد من تهود أو تنصر قبل النسخ ) أو معه ولو بعد التبديل وإن لم يجتنبوا المبدل تغليبا لحقن الدم وبه فارق عدم حل مناكحتهم وذبيحتهم مع أن الأصل في الإبضاع والميتات التحريم بخلاف ولد من تهود بعد بعثة عيسى بناء على أنها ناسخة أو تنصر بعد بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم وكأنهم إنما اكتفوا بالبعثة وإن كان النسخ قد يتأخر عنها ؛ لأنها مظنته وسببه وقضية عبارته أن الضار دخول كل من الأبوين بعد النسخ لا أحدهما وهو متجه خلافا للبلقيني لعقدها لمن أحد أبويه وثني كما يأتي . ( أو شككنا في وقته ) أي دخول الأبوين هل هو قبل النسخ أو بعده تغليبا للحقن أيضا وبه حكمت الصحابة رضوان الله عليهم في نصارى العرب قيل لا معنى لإطلاقه اليهود والنصارى وتقييده أولادهم [ ص: 278 ] ولو عكس كان أولى ، ثم إنه يوهم أن من تهود أو تنصر قبل النسخ عقد لأولاده مطلقا ليس كذلك إنما يعقد لهم إن لم ينتقلوا عن دين آبائهم بعد البعثة . ا هـ .

                                                                                                                              ويرد بأنه ذكر أولا الأصل وهم اليهود والنصارى الأصليون الذين ليس لهم انتقال ، ثم لما ذكر الانتقال عبر فيه بالأولاد المراد بهم الفروع وإن سفلوا ؛ لأن الغالب أن الانتقال إنما يكون عند طرو البعثة وذلك قد انقطع فلم يبق إلا أولاد المنتقلين فذكرهم ثانيا فاندفع زعم أن العكس أولى ، وأما زعم إيهام ما ذكر فغير صحيح أيضا ؛ لأن الكلام في أولاد لم يحصل منهم انتقال وإلا لم يكن للنظر إلى آبائهم وجه ( وكذا زاعم التمسك بصحف إبراهيم وزبور داود صلى الله ) على نبينا و ( عليهما وسلم ) وصحف شيث وهو ابن آدم لصلبه صلى الله عليه وسلم ؛ لأنها تسمى كتبا فاندرجت في قوله تعالى { من الذين أوتوا الكتاب } . ( ومن أحد أبويه كتابي ) ولو الأم اختار الكتابي أم لم يختر شيئا ، وفارق كون شرط حل نكاحها اختيارها الكتابي بأن ما هنا أوسع وما وقع في شرح المنهج مما يوهم أن اختيار ذلك قيد هنا أيضا غير مراد وإنما المراد أنه قيد لتسميته كتابيا لا لتقريره . ( والآخر وثني على المذهب ) تغليبا لذلك أيضا نعم إن بلغ ابن وثني من كتابية ودان بدين أبيه لم يقر جزما ومنه يؤخذ أن محل عقدها لمن بلغ من أولاد نصراني توثن من نصرانية أو وثنية تغليبا لما ثبت لهم من شبهة التنصر إذا لم يختر دين الوثني ويقبل قولهم أنهم ممن تعقد لهم الجزية ؛ لأنه لا يعرف غالبا إلا من جهتهم وينبغي ندب تحليفهم وأفهم كلامه أنها لا تعقد [ ص: 279 ] لغير من ذكر كعابد وثن أو شمس أو ملك وأصحاب الطبائع والفلاسفة والمعطلين والدهريين وغيرهم كما مر في النكاح

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : إلا أسيرا إلخ ) عبارة العباب وإن بذلها أي الجزية أسير كتابي حرم قتله لإرقاقه وغنم ماله . ا هـ . ( قوله : وقضية عبارته ) يتأمل [ ص: 278 ] قوله يرد بأنه إلخ ) فيه ما لا يخفى على المتأمل . ( قوله : الذين ليس لهم انتقال ) من أين . ( قوله لم يحصل منهم انتقال ) من أين . ( قوله : وإلا لم يكن للنظر إلى آبائهم وجه ) هذا ممنوع بل له وجه وهو أنه لما ثبت لهم احترام لكون انتقالهم قبل النسخ سرى الاحترام لأولادهم وإن انتقلوا تبعا لهم فتأمله .

                                                                                                                              ( قوله : اختار ) أي الولد وقوله : الكتابي أي أباه الكتابي . ( قوله إن اختاره ) أي اختار أحد أبويه الكتابي أي اختار دينه بخلاف ما إذا اختار المتوثن فلا يقر كما سنذكره بل قال البلقيني وكذا إن لم يختر شيئا قال شيخنا الشهاب البرلسي : فيه نظر . لقولهم إنه يتبع أشرف أبويه في الدين اللهم إلا أن يقال فرضت مسألتنا في البالغ فإذا بلغ ولم يختر لم يقر . ا هـ . ثم رأيت الإصلاح المذكور . ( قوله : نعم إن بلغ إلخ ) هذا يفهم أنه لا أثر لاختياره قبل البلوغ فإن كان كذلك فقوله : السابق [ ص: 279 ] اختار الكتابي إلخ محله بعد البلوغ ويوجه بأن الصغير لا اعتبار باختياره وليس من أهل الجزية وهو يتبع أشرف أبويه في الدين . ( قوله ودان بدين أبيه ) انظر إذا بلغ ولم يظهر منه تدين بواحد من الدينين ومفهوم ذلك أنه يقر وهو صريح قوله السابق أو لم يختر شيئا ؛ لأنه في البالغ بدليل أن الصغير لا جزية عليه وأنه يتبع أشرف أبويه في الدين وأنه لا أثر لاختياره فليتأمل .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : أو بنحوه ) كالتزام الجزية ، أو كونه رسولا . ا هـ . ع ش ويظهر أنه مستدرك لا موقع له هنا ( قوله : ؛ لأنها ) أي : الجزية بمعنى العقد ( قوله : أي : أحدهما ) أي : من الإمام ، أو نائبه

                                                                                                                              ( قوله : إذا طلبوها ) فيه كتابة الألف في آخر الفعل المتصل بالضمير ولو قدر عقدها كما في المغني لسلم من ذلك ( قوله : للأمر به ) أي : بقبول مطلوبهم

                                                                                                                              ( قوله : مصلحة ) بل عدم المضرة ( قوله : إلا أسيرا ) عبارة العباب وإن بذلها أي : الجزية أسير كتابي حرم قتله لا إرقاقه وغنم ماله انتهى . ا هـ . سم ومثلها في الروض مع شرحه ( قول المتن نخافه ) أي : الجاسوس ويحتمل أنه راجع للأسير أيضا

                                                                                                                              ( قوله : بل لا تقبل ) أي : لا تجوز إجابتهم ( قوله : من الثاني ) أي : الجاسوس

                                                                                                                              ( قوله : لو ظهر له ) أي : العاقد من الإمام ، أو نائبه ( قوله منهم ) أي : الكفار مطلقا جاسوسا كانوا أم لا ( قوله : لم يجبهم ) أي : لا تجوز إجابتهم . ا هـ . بجيرمي عن سم الطبلاوي

                                                                                                                              ( قوله : لم يعلم أنهم يخالفون إلخ ) أي : بأن علمنا موافقتهم ، أو شككنا فيها . ا هـ . ع ش عبارة المغني والروض مع شرحه وأما الصائبة والسامرة فيعقد لهم الجزية إن لم يكفرهم اليهود والنصارى ولم يخالفوهم في أصول دينهم وإلا فلا نعقد لهم وكذا نعقد لهم لو أشكل أمرهم . ا هـ . ( قوله : ؛ لأنهم ) أي : اليهود والنصارى . ا هـ . مغني ( قوله : في آيتها ) أي : الجزية ( قوله : ولأن لهم شبهة كتاب ) والأظهر أنه كان لهم كتاب فرفع أسنى ومغني ( قوله : وبه ) أي : بالتعليل ( قوله : فارق ) أي : جواز العقد معهم

                                                                                                                              ( قوله : مع أن الأصل إلخ ) حال من ضمير به وتأييد لعدم حل ما ذكر ( قوله : بعد بعثة عيسى ) هذا شامل ببعد بعثة نبينا فلا حاجة لما زاده النهاية والمغني عقب ناسخة من قولهما ، أو تهود ( قوله : بناء على أنها ناسخة ) أي : وهو الراجح . ا هـ . ع ش ( قوله : وسببه ) عطف تفسير . ا هـ . ع ش

                                                                                                                              ( قوله : وقضية عبارته ) يتأمل سم على حج ووجه التأمل أن قول المصنف من تهود كما يصدق بكل من الأبوين يصدق بأحدهما فمن أين الاقتضاء إلا أن يقال لما كانت من صيغ العموم كان المتبادر منها ذلك . ا هـ . ع ش وقوله لما كانت إلخ لا يخفى ما في هذا التوجيه ولو قال : إلا أن يقال المطلق ينصرف إلى الكامل وهو في ولد من تهود من دخل كل من الأبوين كان له وجه ( قوله : لعقدها ) علة الاتجاه ( قوله : وبه إلخ ) أي : بجواز العقد للمشكوك في وقت دخول أبويه ( قوله : وتقييده ، أولادهم ) أي : بكون أصولهم تهودت ، أو تنصرت قبل النسخ . هـ ا . ع ش

                                                                                                                              ( قوله : [ ص: 278 ] ولو عكس ) كأن يقول ولا تعقد إلا لمن تهود ، أو تنصر قبل النسخ وأولادهم . ا هـ . ع ش ( قوله : ثم إنه ) أي : قول المصنف وأولاد من تهود ، أو تنصر إلخ

                                                                                                                              ( قوله : مطلقا ) أي : انتقلوا عن دين آبائهم أم لا ( قوله : إنما يعقد إلخ ) أي : بل إنما إلخ ( قوله : ويرد بأنه إلخ ) فيه ما لا يخفى على المتأمل . ا هـ . سم ( قوله : الذين ليس إلخ ) من أين . ا هـ . سم وقد يقال علم من انصراف المطلق إلى الكامل المتبادر

                                                                                                                              ( قوله : لما ذكر الانتقال ) أي : أراد ذكر الانتقال ( قوله : ثانيا ) أي : بعد ذكر أصولهم

                                                                                                                              ( قوله : لم يحصل منهم إلخ ) من أين . ا هـ . سم ( قوله : وإلا ) أي : وإن كان الكلام في الأولاد مطلقا ( قوله : لم يكن للنظر إلى آبائهم وجه ) هذا ممنوع بل له وجه وهو أنه لما ثبت لهم احترام يكون انتقالهم قبل النسخ سرى الاحترام لأولادهم وإن انتقلوا تبعا لهم فتأمله سم على حج . ا هـ . ع ش ( قوله : وصحف شيث ) إلى المتن في النهاية

                                                                                                                              ( قوله : عليهم ) كذا في أصله رحمه الله تعالى بضمير الجميع ( قوله : ولو الأم ) أي : ولو كان الكتابي الأم ( قوله : اختار الكتابي ) أي : اختار الولد أباه الكتابي أي : اختار دينه بخلاف ما إذا اختار التوثن مثلا فلا يقر كما سيذكره . ا هـ . سم

                                                                                                                              ( قوله : وفارق ) أي : جواز العقد ممن أحد أبويه كتابي ولو لم يختر شيئا ( قوله : اختيارها الكتابي ) أي : دينه . ا هـ . ع ش

                                                                                                                              ( قوله : إن اختيار ذلك ) أي : دين أبيه الكتابي ( قوله : هنا ) أي : في الجزية

                                                                                                                              ( قوله : لا لتقريره ) أي : وإلا فشرطه أن لا يختار دين الوثني مثلا . ا هـ . ع ش ( قوله : تغليبا ) إلى قوله ومنه يؤخذ في النهاية وإلى قوله يرد في المغني إلا قوله إن بلغ إلى محل عقدها وقوله وخلاف إلى المتن وقوله هذا غير إلى صورته

                                                                                                                              ( قوله : نعم إلخ ) هذا مفهوم قوله المار اختار الكتابي ، أو لم يختر شيئا والظاهر أن حكم عكس هذا الاستدراك كذلك فليراجع . ا هـ . رشيدي وسيأتي عن ع ش الجزم بذلك ويصرح بذلك أيضا قول الشارح الآتي ومنه يؤخذ إلخ وقوف المغني والروض مع شرحه الآتي هناك ( قوله : إن بلغ إلخ ) هذا يفهم أنه لا أثر لاختياره قبل البلوغ فقوله السابق اختار الكتابي محله بعد البلوغ وقوله ودان إلخ انظر إذا بلغ ولم يظهر منه تدين بواحد من الدينين ومفهوم ذلك أنه يقر وهو صريح قوله السابق ، أو لم يختر شيئا ؛ لأنه في البالغ كما مر سم على حج . ا هـ . ع ش ( قوله : بدين أبيه ) ومثله عكسه . ا هـ . ع ش

                                                                                                                              ( قوله : ومنه يؤخذ أن محل إلخ ) عبارة المغني والروض مع شرحه ولو توثن نصراني بلغ المأمن ، ثم أطفال المتوثنين من أمهم النصرانية نصارى وكذا من أمهم الوثنية فتعقد الجزية لمن بلغ منهم ؛ لأنه ثبت له علقة التنصر فلا تزول بما يحدث بعد . ا هـ . ( قوله : إذا لم يختر إلخ ) خبر إن والضمير لمن بلغ إلخ ( قوله : ويقبل ) إلى قوله يرد في النهاية إلا قوله هذا غير إلى صورته .

                                                                                                                              ( قوله : ويقبل إلخ ) عبارة المغني والروض مع شرحه لو ظفرنا بقوم وادعوا ، أو بعضهم التمسك تبعا لتمسك آبائهم بكتاب قبل النسخ ولو بعد التبديل صدقنا المدعين دون غيرهم وعقد لهم الجزية ؛ لأن دينهم لا يعرف إلا من جهتهم فإن شهد عدلان ولو منهم بأن أسلم منهم اثنان وظهرت عدالتهما بكذبهم فإن كان قد شرط عليهم في العقد قتالهم إن بان كذبهم اغتلناهم وكذا إن لم يشرط في أحد وجهين نقله الأذرعي وغيره عن النص وقال الإمام : إنه الظاهر لتلبيسهم علينا . هـ ا . وقولهما فإن شهد إلخ في النهاية ما يوافقه

                                                                                                                              ( قوله : ندب تحليفهم ) أي بالله وإذا أريد التغليظ عليهم غلظ عليهم ببعض صفاته كالذي فلق الحبة وأخرج النبات . ا هـ . [ ص: 279 ] ع ش ( قوله : لغير من ذكر إلخ ) سواء فيهم العربي والعجمي وعند أبي حنيفة تؤخذ الجزية من العجم منهم وعند مالك تؤخذ من جميع المشركين إلا مشركي قريش . ا هـ . مغني

                                                                                                                              ( قوله : كعابد وثن ، أو شمس إلخ ) أي : وإن أرادوا أن يتمسكوا بدين من تعقد له لم يقبل منهم ؛ لأن من انتقل من دين إلى آخر لم يقبل منه إلا الإسلام . ا هـ . ع ش




                                                                                                                              الخدمات العلمية