الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( فمن نفى الصانع ) أخذوه من الإجماع النطقي به إن سلم وإلا فمن قوله تعالى { صنع الله } لكن على مذهب من يرى أن ورود الفعل كاف أو على مذهب الباقلاني أو الغزالي كما أشرت إليهما أول الكتاب واستدل بعضهم بالخبر الصحيح { إن الله صانع كل صانع وصنعته } ولا دليل فيه لما قدمته ثم أن الشرط أن لا يكون الوارد على جهة المقابلة نحو { أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون } { ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين } وما في الحديث [ ص: 86 ] من هذا القبيل وأيضا فالكلام في الصانع بأل من غير إضافة والذي في الخبر بالإضافة وهو لا يدل على غيره ألا ترى أن قوله صلى الله عليه وسلم { يا صاحب كل نجوى أنت الصاحب في السفر } لم يأخذوا منه أن الصاحب من غير قيد من أسمائه تعالى فكذا هو لا يؤخذ منه أن الصانع من غير قيد من أسمائه تعالى فتأمله

                                                                                                                              وفي خبر مسلم { ليعزم في الدعاء فإن الله صانع ما شاء لا مكره له } وهذا أيضا من قبيل المضاف أو المقيد نعم صح في حديث الطبراني والحاكم { اتقوا الله فإن الله فاتح لكم وصانع } ، وهو دليل واضح للفقهاء هنا إذ لا فرق بين المنكر والمعرف ويأتي آخر العقيقة أن الواهب توفيقي بما فيه فراجعه أو اعتقد حدوثه أو قدم العالم أو نفى ما هو ثابت للقديم إجماعا كأصل العلم مطلقا أو بالجزيئات أو أثبت له ما هو منفي عنه إجماعا كاللون أو الاتصال بالعالم أو الانفصال عنه فمدعي الجسمية أو الجهة إن زعم واحدا من هذه كفر وإلا فلا ؛ لأن الأصح أن لازم المذهب ليس بمذهب ونوزع فيه بما لا يجدي وظاهر كلامهم هنا الاكتفاء بالإجماع وإن لم يعلم من الدين بالضرورة ويمكن توجيهه بأن المجمع عليه هنا لا يكون إلا ضروريا وفيه نظر والوجه أنه لا بد من التقييد به هنا أيضا ومن ثم قيل أخذا من حديث الجارية يغتفر نحو التجسيم والجهة في حق العوام ؛ لأنهم مع ذلك على غاية من اعتقاد التنزيه والكمال المطلق أو اعتقد أن الكوكب فاعل واستشكل بقول المعتزلة إن العبد يخلق فعل نفسه ويجاب [ ص: 87 ] بأن ذا الكوكب يعتقد فيه نوعا من التأثير الذي يعتقده للإله ولا كذلك المعتزلي غايته أنه يجعل فعل العبد واسطة ينسب إليها المفعول تنزيها له تعالى عن نسبة القبح إليه

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : فمن نفى الصانع إلخ ) فرع

                                                                                                                              الوجه فيمن قال علم الله كذا مثلا كاذبا أنه لا يكفر بمجرد ذلك إذ غايته الكذب ، وهو بمجرده ليس كفرا فإن قاله على وجه الاستخفاف أو اعتقد عدم مطابقة علمه تعالى بذلك الشيء للواقع بل أو جوز عدم المطابقة فلا إشكال في الكفر أما في الأول فللاستخفاف وأما في الثاني فلأن فيه نسبة الجهل إليه تعالى عنه علوا كبيرا وهذا أولى من إطلاق الجواهر الكفر والوجه أيضا فيمن لم يصل إلا للخوف من العذاب بحيث إنه لولا الخوف ما صلى عدم إطلاق كفره بل إن اعتقد مع ذلك استحقاقه تعالى العبادة فلا كفر ؛ لأن غاية الأمر أنه لولا الخوف عصى ومجرد العصيان وقصده ليس كفرا وإن اعتقد عدم الاستحقاق فلا إشكال في الكفر ، وإن لم يعتقد واحدا من الأمرين بمعنى الغفلة - [ ص: 86 ] عنهما ففيه نظر ولا يبعد عدم الكفر

                                                                                                                              ( قوله : فمدعي الجسمية إلخ ) هذا يقتضي أن الجسمية غير منفية عنه بالإجماع وإلا لكان يلزم الكفر ، وإن لم يزعم واحدا مما ذكر ، وإن مجرد إثبات الجسمية في نفسها ليس محذورا وقد يوجه هذا بأنه قد يعتقد أنه جسم لا كالأجسام فلا يلزم اعتقاد اللوازم المحذورة للأجسام المعروفة

                                                                                                                              ( قوله : إن زعم واحدا ) بأن اعتقده ( قوله : أن لازم المذهب ) ظاهره ، وإن كان لازما بينا ، وهو ظاهر لجواز أن لا يعتقد اللازم ، وإن كان بينا وقد صححوا عدم كفر القائل بالجهة مع أن بعضهم قال إن لزوم الجسمية لها لزوم بين وفي التقييد بهذا شيء وقوله ليس بمذهب معناه أنه لا يحكم به بمجرد لزومه فإن اعتقده فهو مذهب ويترتب عليه حكمه اللائق به ( قوله : وظاهر كلامهم هنا ) الإشارة راجعة للإجماع في كل من قوله ما هو ثابت للقديم إجماعا ثم قوله : ما هو منفي عنه إجماعا كما في تضبيبه ( قوله : ويمكن توجيهه إلخ ) لا يخفى عدم مطابقة هذا التوجيه للموجه فإن الموجه عممه إلى عدم العلم من الدين بالضرورة والتوجيه حصره في العلم المذكور فتأمله سم

                                                                                                                              ( قوله : والوجه أنه لا بد من التقييد ) هل يقيد أيضا في قوله الآتي أو أحد الأنبياء المجمع عليه أو جحد حرفا مجمعا عليه إلخ لكن سيأتي أن ما لا يعرفه إلا الخواص لا كفر بجحده ، لا يخفى أن صفات الأداء ، وإن أجمع عليها لا يعرفها إلا الخواص ( قوله : واستشكل بقول المعتزلة إن العبد يخلق فعل نفسه إلخ ) قد يجاب بأن خلق الفعل عند المعتزلة بقدرة خلق الله حتى لو اعتقد للكوكب مثل ذلك أعني أن الله خلق فيه [ ص: 87 ] منشأ التأثير ينبغي أن لا يكفر



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قول المتن فمن نفى الصانع ) أي أنكره وهم الدهرية الزاعمون أن العالم لم يزل موجودا كذلك بلا صانع ا هـ مغني ( قول المتن فمن نفى الصانع ) ( فرع )

                                                                                                                              الوجه فيمن قال علم الله كذا مثلا كاذبا أنه لا يكفر بمجرد ذلك إذ غايته الكذب ، وهو بمجرده ليس كفرا فإن قاله على وجه الاستخفاف أو اعتقد عدم مطابقة علمه تعالى بذلك الشيء للواقع بل أو جوز عدم المطابقة فلا إشكال في الكفر والوجه أيضا فيمن لم يصل إلا للخوف من العذاب بحيث إنه لولا الخوف ما صلى عدم إطلاق كفره بل إن اعتقد مع ذلك استحقاقه تعالى للعبادة فلا كفر وإن اعتقد عدم الاستحقاق فلا إشكال في الكفر ، وإن لم يعتقد واحدا من الأمرين بمعنى الغفلة عنهما ففيه نظر ولا يبعد عدم الكفر ا هـ سم ( قوله : أخذوه ) أي إطلاق الصانع على الله تعالى ( قوله : إن سلم ) أي وجود الإجماع النطقي ( قوله : فمن قوله تعالى ) إلى قوله ويأتي آخر العقيقة في النهاية إلا قوله على مذهب إلى أو على مذهب الباقلاني وقوله كما أشرت إليهما في أول الكتاب وقوله فتأمله ( قوله : على مذهب من يرى إلخ ) من هو فليراجع عبارة الجلال الدواني في شرح العقائد العضدية ذهب المعتزلة والكرامية إلى أنه إن دل العقل على اتصافه به جاز الإطلاق عليه سواء ورد بذلك الإطلاق إذن الشرع أو لم يرد وقال القاضي أبو بكر من أصحابنا كل لفظ دل على معنى ثابت لله تعالى جاز إطلاقه عليه تعالى بلا توقيف إذا لم يكن إطلاقه موهما بما لا يليق بكبريائه وقد يقال لا بد مع نفي ذلك الإيهام من الإشعار بالتعظيم وذهب الشيخ الأشعري ومتابعوه إلى أنه لا بد من التوقيف ، وهو المختار وذهب الإمام الغزالي إلى جواز إطلاق ما علم اتصافه به على سبيل التوصيف دون التسمية ا هـ .

                                                                                                                              بحذف ( قوله : أو على مذهب الباقلاني ) أي أنه يجوز أن يطلق عليه تعالى ما لا يشعر بنقص وقوله أو الغزالي أي أنه يجوز إطلاق الصفات عليه تعالى ، وإن لم ترد وهذا حكمة العطف بأو ا هـ ع ش ( قوله : ولا دليل فيه ) أي في ذلك الخبر ( قوله : ثم ) أي في أول الكتاب [ ص: 86 ] قوله : من هذا القبيل ) أي من المذكور على جهة المقابلة ( قوله : وأيضا فالكلام في الصانع بأل إلخ ) لا موقع لذكر هذا مع قوله الآتي إذ لا فرق إلخ ا هـ سيد عمر وقد يجاب بأن ما يأتي في المعرف والمنكر وما هنا في المقيد والمطلق فلا منافاة ( قوله : وهو ) أي الخبر ( قوله : على غيره ) أي غير المضاف ا هـ ع ش ( قوله : كل نجوى ) أي كلام خفي لا يطلع عليه ا هـ ع ش ( قوله : منه ) أي من الخبر المذكور ( قوله : ليعزم ) أي يصمم الداعي ا هـ ع ش ( قوله : من قبيل المضاف ) أي إن لم ينون صانع أو المقيد أي إن نون ( قوله : وهو دليل واضح إلخ ) ولكن منعه بأن هذا من المقيد حذف قيده لدلالة الأول ( قوله : هنا ) أي في إطلاق الصانع عليه تعالى ا هـ ع ش ( قوله : إذ لا فرق بين المنكر والمعرف ) أي ؛ لأن تعريف المنكر وعكسه لا يغير معناه ا هـ ع ش ( قوله : ويأتي ) إلى قوله أو اعتقد لم يظهر لي فائدة ذكره هنا ( قوله : أو اعتقد إلخ ) عطف على قول المتن نفى الصانع ( قوله : أو قدم العالم ) إلى قوله ؛ لأن الأصح في المغني ( قوله : مطلقا ) أي بالكليات والجزئيات جميعا ( قوله : فمدعي الجسمية إلخ ) هذا يقتضي أن الجسمية غير منفية عنه تعالى بالإجماع وإلا لكان يلزم الكفر ، وإن لم يزعم واحدا مما ذكر ، وأن مجرد إثبات الجسمية في نفسها ليس محذورا وقد يوجه هذا بأنه قد يعتقد أنه جسم لا كالأجسام ا هـ سم ( قوله : إن زعم واحدا إلخ ) أي اعتقده ا هـ سم ( قوله : أن لازم المذهب ) ظاهره ، وإن كان لازما بينا ، وهو ظاهر لجواز أن لا يعتقد اللازم ، وإن كان بينا ليس بمذهب معناه أنه لا يحكم به بمجرد لزومه فإن اعتقده فهو مذهبه ويترتب عليه حكمه اللائق به ا هـ سم ( قوله : فيه ) أي في الأصح المذكور أو في قوله وإلا فلا ( قوله : هنا ) الإشارة راجعة للإجماع في كل من قوله ما هو ثابت للقديم إجماعا ثم قوله : ما هو منفي عنه إجماعا كما في تضبيبه ا هـ سم ( قوله : وإن لم يعلم ) أي المجمع عليه ( قوله : ويمكن توجيهه بأن المجمع إلخ ) لا يخفى عدم مطابقة هذا التوجيه للموجه فإن الموجه عممه إلى عدم العلم من الدين بالضرورة والتوجيه حصره في العلم المذكور فتأمله ا هـ سم ( قوله : والوجه أنه لا بد من التقييد إلخ ) هل يقيد به أيضا في قوله الآتي وأحد الأنبياء المجمع عليه أو جحد حرفا مجمعا عليه إلخ لكن سيأتي أن ما لا يعرفه إلا الخواص لا كفر بجحده ولا يخفى أن صفات الأداء ، وإن أجمع عليها لا يعرفها إلا الخواص ا هـ سم ( قوله : به ) أي بالعلم المذكور وقوله أيضا أي كالتقييد بالإجماع ( قوله : ومن ثم ) أي من أجل التقييد هنا بالعلم المذكور ( قوله : يغتفر نحو التجسيم إلخ ) ظاهره ، وإن زعموا معه شيئا مما ذكر وإلا فلا وجه للاستثناء ا هـ سيد عمر ( قوله : ؛ لأنهم إلخ ) لعله من مقول القيل ( قوله : مع ذلك ) أي اعتقادهم نحو الجسمية ( قوله : أو اعتقد إلخ ) عطف على قول المتن نفى الصانع ( قوله : واستشكل بقول المعتزلة - - [ ص: 87 ] إلخ ) قد يجاب بأن خلق الفعل عند المعتزلة بقدرة خلقها الله حتى لو اعتقد للكوكب مثل ذلك أعني أن الله تعالى خلق فيه منشأ التأثير ينبغي أن لا يكفر ا هـ سم ( قوله : بأن إلخ ) عبارة المغني بأن صاحب الكواكب اعتقد فيها ما يعتقد في الإله من أنها مؤثرة في جميع الكائنات كلها بخلاف المعتزلة فإنهم قالوا العبد يخلق أفعال نفسه فقط ا هـ




                                                                                                                              الخدمات العلمية