الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا قلنا ببطلان النكاح ، فإن لم يدخل بها الزوج فرق بينهما ، ولا مهر عليه ، ولا عدة عليها ، ولا يكون للعقد تأثير في لزوم شيء من الأحكام ، وإن دخل الزوج بها فرق بينهما لفساد العقد ، ولها حالتان :

                                                                                                                                            إحداهما : أن يكون قد أحبلها . والثاني : أن تكون حائلا لم تحبل .

                                                                                                                                            فإن لم يكن قد أحبلها تعلق بدخوله بها حكمان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن عليه للسيد مهر مثلها بالإصابة دون المسمى : لأن فساد العقد يمنع من استحقاق ما سمي فيه ، فصار مستهلكا لبضعها لشبهة ، فلزمه مهر المثل .

                                                                                                                                            والثاني : وجوب العدة عليها : لأنها إصابة توجب لحوق النسب ، فأوجبت العدة ، ولا نفقة لها في زمان العدة : لارتفاع العقد الذي تستحق به النفقة .

                                                                                                                                            فإذا غرم الزوج بالإصابة مهر المثل ، فهل يرجع به على من غره أم لا ؟ على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما - وهو قوله في القديم - : يرجع به على الغار : لأنه ألجأه إلى غرمه ، فصار كالشاهد إذا أوجب بشهادته غرما ، ثم رجع عنها لزمه غرم ما أغرم .

                                                                                                                                            والقول الثاني : لا يرجع به على الغار : لأنه في مقابلة استمتاعه الذي لا ينفك من غرم ، إما المسمى إن صح العقد ، أو مهر المثل إن فسد ، فإذا قلنا : لا رجوع للزوج بالمهر على من غره تفرد بإلزامه للسيد . وإن قلنا : يرجع به على من غره ولم يرجع به قبل غرمه لجواز أن يبرئه السيد منه ، فإن أبرأه منه لم يرجع به ، كالضامن إذا أبرئ من الضمان لم يرجع على المضمون عنه بشيء ، وإن أغرمه السيد المهر رجع به الزوج حينئذ على من غره ، ومن يؤثر غروره اثنان : الأمة ووكيل السيد : لأن السيد لو غره لعتقت ، وإن غره أجنبي لم يكن لقوله في العقد تأثير ، فإن كانت الأمة هي الغارة كان الغرم في ذمتها إذا أعتقت وأسرت إذنه ، وإن كان الوكيل هو الغار أغرم في الحالة إن كان موسرا ، وأنظر به إلى وقت يساره إن كان معسرا ، فأما إن كان قد أحبلها ففي وجوب النفقة لها مدة حملها قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : لها النفقة إذا قيل : إن نفقة الحامل لحملها لا لها .

                                                                                                                                            والقول الثاني : لا نفقة لها إذا قيل : إن نفقة الحامل لها لا لحملها ، فإذا وضعت تعلق بمولدها ثلاثة أحكام :

                                                                                                                                            أحدها : لحوقه بالزوج لشبهة العقد .

                                                                                                                                            والثاني : كونه حرا من حين علوقه : لأن اشتراط حريتها يتضمن حرية ولدها : لأن الحرة لا تلد إلا حرا .

                                                                                                                                            والثالث : أن تغرم للسيد قيمة ولدها يوم وضعته : لأن ولد الأمة مملوكا لسيدها ، وقد صار الزوج مستهلكا لرقه بما يحدث من عتقه ، فلزمه غرم قيمته واعتبرناها يوم وضعه ، فإن كان قد عتق وقت علوقه : لأنه لا يقوم إلا بعد الوضع ، فإذا غرم الزوج قيمة الولد رجع بها على من غره قولا واحدا ، وإن كان في رجوعه بالمهر قولان .

                                                                                                                                            [ ص: 145 ] والفرق بينهما : أن المهر مستحق في نكاح الحرة والأمة : لأنه في مقابلة الاستمتاع ، فلذلك لم يرجع به في الغرور بالأمة على أحد القولين ، وليس كذلك قيمة الولد : لأنه لا يستحق إلا في ولد الأمة دون الحرة ، فصار الغرور هو الموجب لغرمه ، فلذلك رجع به على من غره قولا واحدا ، فصار وطؤها وإحبالها موجبا لخمسة أحكام :

                                                                                                                                            أحدها : مهر المثل .

                                                                                                                                            والثاني : العدة .

                                                                                                                                            والثالث : لحوق الولد .

                                                                                                                                            والرابع : حريته .

                                                                                                                                            والخامس : غرم قيمته .

                                                                                                                                            فهذا إذا قيل بطلان النكاح .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية