الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي ، رضي الله عنه : " ولا يفسخ نكاح حامل من زنا ، وأحب أن تمسك حتى تضع ، وقال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم : إن امرأتي لا ترد يد لامس ، قال : طلقها ، قال : إني أحبها قال : فأمسكها وضرب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - رجلا وامرأة في زنا ، وحرص أن يجمع بينهما فأبى الغلام .

                                                                                                                                            قال الماوردي : اعلم أننا نكره للعفيف أن يتزوج بالزانية ونكره للعفيفة أن تتزوج [ ص: 189 ] بالزاني : لعموم قوله تعالى : الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها الآية [ النور : 3 ] ولما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : فعليك بذات الدين تربت يداك وإذا كان كذلك ، فالكلام في نكاح الزانية يشتمل على ثلاثة فصول :

                                                                                                                                            أحدها : في الرجل إذا زنا بامرأة ، هل يحل له نكاحها أم لا ؟ .

                                                                                                                                            والفصل الثاني : في زوجة الرجل إذا زنت ، هل يبطل نكاحها أم لا ؟ .

                                                                                                                                            فأما : الفصل الأول في الرجل إذا زنا بامرأة ، فيحل له أن يتزوجها . وهو قول جمهور الصحابة والفقهاء .

                                                                                                                                            وذكر عن علي بن أبي طالب رضوان الله عليه والحسن البصري أنها قد حرمت عليه أبدا ، فلا يجوز أن يتزوجها بحال .

                                                                                                                                            وقال أبو عبيدة وقتادة وأحمد بن حنبل وإسحاق : إن تابا من الزنا حل أن يتزوجها ، وإن لم يتوبا لم يحل .

                                                                                                                                            قالوا : والتوبة أن يخلو أحدهما بصاحبه ، فلا يهم به استدلالا بقوله تعالى : الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين [ النور : 3 ] فكان ما تقدم من المنع وتعقب من التحريم نصا لا يجوز خلافه .

                                                                                                                                            ودليلنا قوله تعالى بعد ذكر المحرمات من ذوات الأنساب : وأحل لكم ما وراء ذلكم [ النساء : 24 ] .

                                                                                                                                            فكان على عمومه في العفيفة والزانية .

                                                                                                                                            وروى ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يحرم الحرام الحلال وهذا نص : ولأنه منتشر في الصحابة بالإجماع روي ذلك عن أبي بكر وعمر وابن عمر وابن عباس وجابر ، فروي عن أبي بكر - رضي الله تعالى عنه - أنه قال : إذا زنى رجل بامرأة لم يحرم عليه نكاحها .

                                                                                                                                            وروي عن عمر - رضي الله عنه - أن رجلا تزوج امرأة ، وكان لها ابن عم من غيرها ولها بنت من غيره ، ففجر الغلام بالجارية وظهر بها حمل ، فلما قدم عمر مكة رفع إليه فسألهما فاعترفا ، فجلدهما عمر الحد ، وعرض أن يجمع بينهما فأبى الغلام .

                                                                                                                                            وروي عن عبد الله بن عمر أنه كان له أمة وعبد فظهر بالأمة حمل ، فاتهم بها الغلام ، فسأله فأنكر ، وكان للغلام إصبع زائدة ، فقال له : إن أتت بولد له إصبع زائدة جلدتك ، فقال : نعم ، فوضعت ولدا له إصبع زائدة ، فجلده ثم زوجه بها .

                                                                                                                                            وروي عن ابن عباس : أنه سئل أيتزوج الزاني بالزانية ؟ فقال : نعم ، ولو سرق رجل من كرم عنبا ، لكان يحرم عليه أن يشتريه ، فهذا قول من ذكرنا ، و لم يصح عن غيرهم خلافه ، فصار إجماعا .

                                                                                                                                            فأما استدلالهم بالآية ، فقد اختلف أهل التأويل فيها على ثلاثة أقاويل :

                                                                                                                                            [ ص: 190 ] أحدها : أنها نزلت مخصوصة في رجل من المسلمين استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأة يقال لها : أم مهزول من بغايا الجاهلية من ذوات الرايات ، وشرطت له أن تنفق عليه ، فأنزل الله هذه الآية فيه ، وهذا قول عبد الله بن عمرو ومجاهد .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أن المراد بالآية : أن الزاني لا يزني إلا بزانية والزانية لا يزني بها إلا زان . وهذا قول ابن عباس .

                                                                                                                                            والقول الثالث : أن الولاية عامة في تحريم نكاح الزانية على العفيف ، ونكاح العفيفة على الزاني ، ثم نسخه قوله تعالى : فانكحوا ما طاب لكم من النساء . وهذا قول سعيد بن المسيب .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية