الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا تقررت هذه الجملة جئنا إلى شرح كلام الشافعي .

                                                                                                                                            قال : " وكل ما أصدقها فملكته بالعقد وضمنته بالدفع ، فلها زيادته وعليها نقصانه " .

                                                                                                                                            وهذه جملة اختصرها المزني من كلام الشافعي في كتاب الأم ، فإن الشافعي بسطه ، فأحسن المزني اختصاره .

                                                                                                                                            فقوله : وكل ما أصدقها فملكته بالعقد ، أبان عن مذهبه أن الزوجة مالكة لجميع الصداق بالعقد ، ورد به قول مالك : إنها تملك نصفه بالعقد .

                                                                                                                                            وأما قوله : وضمنته بالدفع ، فصحيح ؛ لأنه قبل دفعه إليها مضمون على الزوج دونها . فإذا دفع إليها سقط ضمانه عن الزوج ، وصار مضمونا عليها .

                                                                                                                                            [ ص: 422 ] وأما قوله : فلها زيادته وعليها نقصانه : فنقصانه لا يكون عليها إلا إذا دفع إليها ، وإلا فهو على الزوج دونها ، وأما زيادته فهي لها قبل الدفع وبعده .

                                                                                                                                            فإن قيل : فكيف جمع بين زيادته ونقصانه في أن جعل ضمانها بالدفع موجبا لها ، وهذا الشرط يصح في النقصان ؛ لأنه لا يكون عليها إلا إذا ضمنته بالدفع ، أما الزيادة فلا يصح هذا الشرط فيها ؛ لأنها لها قبل دفعه إليها وبعده .

                                                                                                                                            فعن هذا ثلاثة أجوبة :

                                                                                                                                            أحدها : أن جعل ذلك لها بعد الدفع لا يمنع أن يكون لها قبل الدفع .

                                                                                                                                            والثاني : أن في الكلام تقديما وتأخيرا ، وتقديره : وكل ما أصدقها فملكته بالعقد فلها زيادته ، فإذا ضمنته بالدفع فعليها نقصانه ، ومثل هذا يجوز إذا دل عليه وضع الخطاب ، أو شواهد الأصول .

                                                                                                                                            والثالث : أن الكلام على نسقه صحيح ، والشرط في حكمه معتبر ؛ لأن الزيادة الحادثة بعد الدفع تملكها ملكا مستقرا ، وقبل الدفع تملكها ملكا غير مستقر ؛ لأنه قد يجوز أن يتلف الصداق في يد الزوج فيزول ملكها عن الزيادة إن قيل : إنها ترجع بمهر المثل على ما سنذكره ، فصار الدفع شرطا في استقرار الملك فصح ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية