الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ولو عتقن قبل إسلامه فاخترن فراقه كان ذلك لهن : لأنه لهن بعد إسلامه وعددهن عدد الحرائر فيحصين من حين اخترن فراقه ، فإن اجتمع إسلامه وإسلامهن في العدة فعددهن عدد حرائر من يوم اخترن فراقه وإلا فعددهن عدد حرائر من يوم أسلم متقدم الإسلام منهما : لأن الفسخ من يومئذ ، وإن لم يخترن فراقه ولا المقام معه خيرن إذا اجتمع إسلامه وإسلامهن معا " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وصورتها في عبد تزوج في الشرك بأربع زوجات إماء ودخل بهن ، ثم أسلمن وعتقن قبل إسلامه ، فلهن أن يخترن فسخ نكاحه بالعتق ، وإن كن جاريات في الفسخ بتقدم الإسلام لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنهن جاريات في فسخ ، فلم يمتنع أن يستحق معه حدوث فسخ : لأن الفسخ لا ينافي الفسخ لاجتماعهما ، وإنما ينافي المقام لتضادهما .

                                                                                                                                            والثاني : أنهن يستفدن بتعجيل الفسخ قصور أحد العدتين : لأنهن لو انتظرن إسلام الزوج لاستأنف العدة بعد إسلامه ، وإذا قدمن الفسخ تقدمت العدة قبل إسلامه .

                                                                                                                                            فإن قيل : فهلا أغنى جريانهن في الفسخ بتقدم الإسلام عن أن يحدثن فسخا بحدوث العتق .

                                                                                                                                            قيل : لا يغني : لأن الفسخ بالإسلام متردد بين إفضائه إلى الفرقة إن تأخر إسلام الزوج وبين إفضائه إلى ثبوت النكاح إن تعجل ، والفسخ بالعتق مفض إلى الفرقة في الحالين ، فإذا تقرر هذا ، فلهن ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            [ ص: 274 ] أحدها : أن يخترن الفسخ ، فذلك معتبر بإسلام الزوج ، فإن لم يسلم حتى انقضت عددهن فقد وقعت الفرقة باختلاف الدين ، وبان أنهن غير زوجاته من يوم أسلمن ، فلم يقع فسخهن بالعتق : لأنهن قدمن قبله ، فأول عددهن من وقت إسلامهن ، وقد بدأن بالعدة وهن إماء وأنهينها وهن حرائر ، فهل يعتددن عدد إماء أو عدد حرائر ؟ على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما - وهو قوله في القديم - : يعتددن عدد إماء اعتبارا بالابتداء .

                                                                                                                                            والثاني : وهو قوله في الجديد يعتددن عدد حرائر : اعتبارا بالانتهاء ، وإن أسلم الزوج في عددهن ، وبان أن اختلاف الدين لم يؤثر في فسح نكاحهن ، وإنهن اخترن الفسخ بالعتق وهن زوجات ، فينفسخ نكاحهن باختيار الفسخ ويعتددن من وقت الفسخ عدد حرائر قولا واحدا : لأنهن بدأن وهن حرائر .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية