الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : والثالث من عيوبهما : البرص : وهو حدوث بياض في الجلد يذهب معه دم الجلد وما تحته من اللحم وفيه عدوى إلى النسل والمخالطين ، وتعافه النفوس وتنفر منه ، فلا يكمل معه الاستمتاع ، ولذلك رد النبي صلى الله عليه وسلم نكاح امرأة وجد بكشحها بياضا ، وفي قليله وكثيره الخيار : لأن قليله يصير كثيرا ، وسواء كان بالزوج أو الزوجة .

                                                                                                                                            فأما البهق : فتغير لون الجلد ، ولا يذهب بدمه ويزول ، ولا تنفر منه النفوس ، فلا خيار فيه ، فلو اختلفا فقال الزوج : هذا البياض برص ولي الخيار ، وقالت الزوجة : بل هو بهق فلا خيار ، وقف عليه عدلان من علماء الطب ، وعمل على قولهما فيه ، فإن أشكل كان القول قولها مع يمينها أنه بهق ولا خيار فيه .

                                                                                                                                            فإن قيل : فكيف جعل الشافعي في الجذام والبرص عدوى ، وهذا قول أصحاب الطبائع ، وقد كذبه الشرع ومنع منه ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا عدوى ولا طيرة . فقيل له : أما ترى النكتة من الجرب في شفر البعير فتعدوا إلى سائره وإلى غيره ، فقال صلى الله عليه وسلم : " فمن أعدى الأول " ، أي إذا كان الأول بغير عدوى كان ما بعده ، وفي غيره بغير عدوى .

                                                                                                                                            [ ص: 343 ] قيل : إنما منع الشرع من أن الطبيعة هي التي تحدث العدوى كما يزعم الطب ، ولا يمنع أن الله تعالى قد جعل فيها العدوى كما جعل في النار الإحراق ، وفي الطعام الشبع ، وفي الماء الري ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا يوردن ممرض ذو عاهة على مصح ، وامتنع من مبايعة الأجذام .

                                                                                                                                            وروى عبد الله بن عباس أن عمر بن الخطاب توجه إلى الشام ، فلما انتهى إلى سرغ تلقاه أمراء الأجناد وأخبروه بحدوث الطاعون بالشام ، فتوقف عن المسير وشاور المهاجرين في المسير أو الرجوع فاختلفوا ، وشاور الأنصار فاختلفوا ، وكان عبد الرحمن بن عوف غائبا عنهم فحضر فشاوره عمر ، فقال عبد الرحمن : إن عندي في هذا علما ، قال عمر : ما هو ؟ قال عبد الرحمن : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا سمعتم به في واد فلا تقدموا عليه ، وإذا وقع وأنتم فيه فلا تخرجوا منه ، فحمد عمر الله تعالى ورجع ورجع الناس معه .

                                                                                                                                            وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لبن الحمقى يعدي " .

                                                                                                                                            فأما قوله صلى الله عليه وسلم : " فمن أعدى الأول " فالمقصود منه رد قولهم أنه لم يكن إلا من عدوى الأول ، ولولاه ما جربت ، وقال : " من أعدى الأول " أي إذا كان الأول من الله تعالى ، يعني عدوى كان ما بعده منه .

                                                                                                                                            فإن قيل : فلم أضاف الشافعي العدوى إلى الجذام والبرص ، ولم يضفه إلى الله تعالى .

                                                                                                                                            قيل : على طريق الاستعارة والتوسع في العبارة كما يقال : طالت النخلة ، وقصر الليل ، وأثمرت الشجرة ، وإن كان الله تعالى هو الفاعل لذلك .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية