الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " وكذلك الأرض تزرعها أو تغرسها أو تحرثها ، ( قال المزني ) : الزرع مضر بالأرض منقص لها ، وإن كان لحصاده غاية فله الخيار في قبول نصف الأرض منتقصة ، أو القيمة ، والزرع لها ، وليس ثمر النخل مضرا بها فله نصف النخل ، والثمر لها ، وأما الغراس فليس بشبيه لهما ؛ لأن لهما غاية يفارقان فيها مكانهما من جداد وحصاد ، وليس كذلك الغراس ؛ لأنه ثابت في الأرض فله نصف قيمتها ، وأما الحرث فزيادة لها فليس عليها أن تعطيه نصف ما زاد في ملكها إلا أن تشاء ، وهذا عندي أشبه بقوله ، وبالله التوفيق " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : عطف الشافعي بزرع الأرض وغرسها وحرثها ، على ما قدمه من عقد الباب وبيان أحكام الزيادة والنقصان ، فتوهم المزني أنه عطف به على أطلاع النخل .

                                                                                                                                            ففرق بين الزرع والغرس ، وبين أطلاع النخل ، فأخطأ في توهمه ، وقارب الصحة في فرقه .

                                                                                                                                            وحكم الأرض تختلف في زرعها وغرسها وحرثها .

                                                                                                                                            أما حرثها فهو فيها زيادة محضة غير متميزة ، فلا يلزم الزوجة بذلها ، فإن بذلتها أجبر الزوج على قبولها ، في أصح الوجهين .

                                                                                                                                            وأما الغرس في الأرض فهو زيادة في وجه ، ونقصان من وجه ؛ لأن عين الغرس زيادة ، وضرره في الأرض نقصان .

                                                                                                                                            فأما النقصان : فغير متميز ، وأما الزيادة : ففيها وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنها متميزة ؛ لأنها مستودعة في الأرض .

                                                                                                                                            والثاني : أنها كالمتصلة ؛ لأنها صارت تبعا ، فإن بذلتها الزوجة بغرسها لم يجبر الزوج على القبول لأجل النقص ، وإن رضي الزوج بها لم تجبر الزوجة على بذلها لأجل الزيادة ، وأيهما دعا إلى نصف القيمة أجيب .

                                                                                                                                            [ ص: 444 ] وأما الزرع في الأرض فهو زيادة متميزة ، واختلف أصحابنا هل يكون نقصا في الأرض أم لا ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه يكون نقصا فيها كالغراس ، ومخالف لأطلاع النخل ؛ لأن أطلاع النخل من ذاته ، ولا يمكن أن ينتفع بالنخل قبل وقت أطلاعه ، وزرع الأرض من فعل الآدميين ، وقد كان يمكن أن ينتفع بها في غير الزرع وفي غير ذلك النوع من الزرع ، فافترقا .

                                                                                                                                            والوجه الثاني - وهو قول المزني - : أنه ليس بنقص في الأرض ؛ لأن وقت الزرع إذا انقضى ، فليس يمكن أن يستأنف زرعها ، والأغلب من أرض الزرع ألا منفعة فيها إلا بزرعها ، فصارت بأطلاع النخل أشبه .

                                                                                                                                            فإذا تقرر هذان الوجهان .

                                                                                                                                            فإن جعلنا الزرع زيادة ، ولم نجعله نقصا فحكم الأرض إذا زرعت مثل حكم النخل إذا أطلعت ، وقلنا : إن الثمرة زيادة متميزة ؛ لأن الزرع زيادة متميزة فيكون على ما مضى من الأقسام والأحكام .

                                                                                                                                            وإن جعلنا الزرع زيادة ونقصا كان في حكم الغرس لا يجبر واحد منهما على الأرض ، وأيهما دعا إلى القيمة أجيب .

                                                                                                                                            فإن بادرت الزوجة إلى قلع الزرع ، ففي إجبار الزوج على قبول الأرض إذا لم يضر بها قلع الزرع وجهان كما لو بادرت إلى قطع الثمرة عن النخل ، ولكن لو طلقها بعد حصاد الزرع أجبر على القبول ، وأجبرت على الدفع وأيهما دعا إلى نصف الأرض أجيب لتعين الحق فيها وقت الطلاق ، وهكذا لو كان الزرع وقت الطلاق وقد استحصد ولم يحصد ، فليس له إلا نصف الأرض ما لم تنقص الأرض بالزرع ، وتجبر الزوجة على الحصاد ، وهكذا الثمرة إذا استجدت على رءوس نخلها أخذت الزوجة بجذاذها ورجع الزوج بنصفها ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية