الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما القسم الثالث : وهم من له شبهة كتاب فهم ثلاثة أصناف : الصابئون ، والسامرية ، والمجوس .

                                                                                                                                            فأما السامرة : فهم صنف اليهود الذين عبدوا العجل حين غاب عنهم موسى مدة عشرة أيام بعد الثلاثين ، واتبعوا السامري ، فرجع موسى إلى قومه ، فأنكر عليهم عبادة العجل ، وأمرهم بالتوبة ، وقتل أنفسهم فمنهم من قتل .

                                                                                                                                            وأما الصابئون فهم صنف من النصارى ، وافقوهم على بعض دينهم وخالفوهم في بعضه ، وقد يسمى باسمهم ، ويضاف إليهم قوم يعبدون الكواكب ، ويعتقدون أنها صانعة مدبرة ، فنظر الشافعي في دين الصابئين والسامرة : فوجده مشتبها ، فعلق القول فيهم لاشتباه أمرهم ، فقال هاهنا : إنهم من اليهود والنصارى إلا أن يعلم أنهم يخالفوهم في أصل ما يحلون ويحرمون فيحرمون ، وقطع في موضع آخر أنهم منهم ، وتوقف في موضع آخر فيهم ، وليس ذلك لاختلاف قوله ، ولكن لا يخلو حالهم من ثلاثة أقسام : فقال إن وافقوا اليهود والنصارى في أصل معتقدهم ، ويخالفوهم في فروعه فيقر السامرة بموسى والتوراة ، ويقر الصابئون بعيسى والإنجيل ، فهؤلاء كاليهود والنصارى في قبول جزيتهم ، وأكل ذبائحهم ، ونكاح [ ص: 224 ] نسائهم : لأنهم إذا جمعهم أصل المعتقد لم يكن خلافهم في فروعه مؤثرا ، كما يختلف المسلمون - مع اتفاقهم على أصل الدين - في فروع لا توجب تباينهم ولا خروجهم عن الملة .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يخالفوا اليهود والنصارى في أصول معتقدهم ، وأن يوافقوهم في فروعه ، ويكذب السامرة بموسى والتوراة ، ويكذب الصابئون بعيسى والإنجيل ، فهؤلاء كعبدة الأوثان لا يقبل لهم جزية ، ولا يؤكل لهم ذبيحة ، ولا تنكح منهم امرأة : لأنهم لم يكونوا على حق فيراعى فيهم ، ولا تمسكوا بكتاب فيحفظ عليهم حرمته فيؤخذوا بالإسلام أو بالسيف ، وحكي أن القاهر استفتى أبا سعيد الإصطخري فيهم فأفتاه أن يقتلهم : لأنهم يقولون : إن الفلك هو حي ناطق وإن الكواكب السبعة آلهة مدبرة ، فهم بقتلهم ، فبذلوا له مالا ، فكف عنهم .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن يشك فيهم ، فلا يعلم هل وافقوا اليهود والنصارى في الأصول دون الفروع ، أو في الفروع دون الأصول ؟ فهؤلاء كمن شك في دخوله في اليهودية والنصرانية هل كان قبل التبديل أو بعده فيقرون بالجزية حقنا لدمائهم ، ولا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية