الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ولو قالت : لم يصبني ، وقال : قد أصبتها ، فالقول قوله : لأنها تريد فسخ نكاحها ، وعليه اليمين ، فإن نكل وحلفت فرق بينهما ، وإن كانت بكرا أريها أربعا من النساء عدولا ، وذلك دليل على صدقها ، فإن شاء أحلفها ثم فرق بينهما ، فإن نكلت وحلف ، أقام معها : وذلك أن العذرة قد تعود فيما يزعم أهل الخبرة بها إذا لم يبالغ في الإصابة " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وصورتها : أن يختلف الزوجان في الإصابة بعد أجل العنة ، فتقول الزوجة : لم يصبني فلي الفسخ ، ويقول الزوج : قد أصبتها فلا فسخ لها ، فلا يخلو حالها من أحد أمرين :

                                                                                                                                            إما أن تكون بكرا أو ثيبا ، فإن كانت ثيبا ، فالقول قول الزوج في الإصابة مع يمينه ولا خيار لها : لأنه ثبوت النكاح يمنع من تصديق قولها في فسخه ، فإن حلف سقط [ ص: 378 ] خيارها ، وإن نكل ردت اليمين عليها ، فإن حلفت كان لها الخيار ، وفرق بينهما ، وإن نكلت فلا خيار لها والنكاح بحاله . وهذا قول الفقهاء .

                                                                                                                                            وقال مالك والأوزاعي : يؤمر الزوج بمعاودة خلوتها ، ويقربهما وقت الجماع امرأة ثقة .

                                                                                                                                            وقال الأوزاعي : امرأتان ، فإذا خرج من خلوتهما نظر فرجها ، فإن كان ماء الرجل ، كان القول قوله ، وإن لم يكن ماؤه كان القول قولها .

                                                                                                                                            وهذا خطأ من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن اختلافها في إصابة تقدمت ، فلم يدل عليها ما حدث بعدها .

                                                                                                                                            والثاني : أن وجود الماء وعدمه لا يدل على وجود الإصابة وعدمها : لأنه قد ينزل ولا يولج ، وقد يولج ولا ينزل ، وحقها متعلق بالإيلاج دون الإنزال ، وحكي أن امرأة ادعت عنة رجل عند سمرة بن جندب واختلف في الإصابة ، فكتب بها إلى معاوية يسأله عنها فكتب إليه معاوية : زوجه امرأة ذات جمال وحسن ، توصف بدين وستر ، وسيق إليها مهرها من بيت المال لتختبر حاله . ففعل سمرة ذلك ، فقالت المرأة : لا خير عنده ، فقال سمرة : ما دنا ؟ فقالت : بلى ، ولكن إذا دنا شره ، أي أنزل قبل الإيلاج . وهذا مذهب لمعاوية ليس عليه دليل ، ولا له في الأصول نظير ، وقد يجوز أن يكون الرجل عنينا في وقت وغير عنين في وقت .

                                                                                                                                            فإن قيل : فإذا بطل هذان المذهبان كان مذهبهم أبطل من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنكم قبلتم به قول المدعي دون المنكر ، والشرع وارد بقبول قول المنكر .

                                                                                                                                            والثاني : أنه لو ادعى إصابة المطلقة : ليراجعها وأنكرته ، كان القول قولها دونه ، فهلا كان في العنة كذلك : لأن الأصل الإصابة .

                                                                                                                                            قيل : الجواب عن هذا أن ما ذكرناه من العلة في قبول قوله يدفع هذا الاعتراض ، وهو أن الأصل ثبوت النكاح ، وهي تدعي بإنكار الإصابة استحقاق فسخه ، فصارت هي مدعية وهو منكر ، فكان مصير هذا الأصل يوجب قبول قوله دونها ، على أن ما تعذر إقامة البينة فيه جاز أن يقبل فيه قول مدعيه إذا كان معه ظاهر يقتضيه كاللوث في دعوى القتل ، فأما دعواه الإصابة في الرجعة ، فالفرق بينهما وبين دعوى الإصابة في العنة من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن دعوى الإصابة في الرجعة تنفي ما أوجبه الطلاق من التحريم ، ودعوى الإصابة في العنة تثبت ما أوجبه النكاح في اللزوم فافترقا .

                                                                                                                                            والثاني : أنه ادعى الإصابة في العنة مع بقاء نكاحه ، فصار كالمدعي لما في يده ودعواه الإصابة في الرجعة بعد زوال نكاحه ، فصار كالمدعي لما في يد غيره ، فافترقا .

                                                                                                                                            [ ص: 379 ]

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية