الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : [ القول فيما يكون به الإعفاف ]

                                                                                                                                            وأما الفصل الثالث فيما يكون به الإعفاف فهو ما خص الفرج من استمتاع بحرة يزوجه بها ، أو تسري بأمة يملكه إياها والخيار فيه بين التزويج والتسري إلى الابن دون الأب ، فإن [ ص: 186 ] أراد الابن أن يزوجه بنفسه لم يجز : لأن الأب رشيد لا يولى عليه ، ولكن يتزوج الأب ، ويلتزم الابن صداق الزوجة ثم نفقتها وكسوتها ، وليس للأب أن يغالي في صداق زوجته ، وفيما يستحقه من ذلك وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : أقل صداق من تكافئه من النساء اعتبارا بحاله .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : من يستمتع بها من جميع النساء اعتبارا بحاجته ، وليس على الابن أن يحمله على تزويج من لا متعة فيها من الأطفال ، وعجائز النساء ، وذوات العيوب التي يفسخ بها النكاح ومن تشوه خلقها : لنفور النفس عنها ، وتعذر الاستمتاع بهن ، لكن لا فرق بين المسلمة والذمية ، فأما الأمة فلا يجوز أن يزوجه بها : لأن الأمة لا يتزوجها إلا من عدم الطول وهو بالابن واجد للطول ، فهذا حكم إعفافه بالتزويج .

                                                                                                                                            فأما إعفافه بملك اليمين : فالابن بالخيار بين أن يهب له أمة من إمائه على الوصف الذي ذكرنا ببذل وقبول وإقباض ، لينتقل بصحة الهبة بالبذل والقبول واستقرارها بالقبض في ملك الابن إلى ملك الأب وبين أن يأذن له في ابتياع أمة يدفع عنه ثمنها ، فإن ابتاعها الابن له ، نظر : فإن كان بإذنه صح الشراء له ، وجاز له الاستمتاع بها : لاستقرار حكمه فيها ، وإن كان بغير إذنه فالشراء للابن دون الأب : لأن الشراء للرشيد بغير إذنه لا يصح ، فإن استأنف الابن هبتها له على ما ذكرنا ، صارت ملكا له بالهبة دون الشراء ، وجاز له الاستمتاع بها ثم على الابن التزام نفقتها وكسوتها كالحرة ، فلو أذن الابن لأبيه في وطء أمة له لم يهبها له لم يجز للأب وطئها : لأن الأمة لا يجوز وطئها إلا بملك يمين أو عقد نكاح ، والأب لم يملكها بهذا الإذن ، ولا يصح أن يتزوجها لوجود الطول ، فلو زوجه الابن أو سراه فأعتق الأب أو طلق لم يلزم الابن أن يزوجه ويسر به ثانية بعد طلاقه : لأن الأب قد استهلك بنفسه ما استحقه من ذلك ، فلو ألزم الابن مثله لفعل الأب مثله فأدى إلى ما لا نهاية له ، ولكن لو ماتت الزوجة أو الأمة حتف أنفها ، ففي وجوب إعفافه على الابن ثانية وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يجب عليه : لبقاء السبب الموجب له ، وأنه غير منسوب إلى تفويت حقه منه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه لا يجب عليه غير الأولى : لأنه عقد يوضع للتأبيد في الأغلب ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية