الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            [ ص: 108 ] ص - ودليل العمل بالسبر ، وتخريج المناط وغيرهما أنه لا بد من علة لإجماع الفقهاء على ذلك ، ولقوله - تعالى : ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) ، والظاهر التعميم .

            ولو سلمنا فهو الغالب ; لأن التعقل أقرب إلى الانقياد ، فليحمل عليه ، وقد ثبت ظهورها وفي المناسبة .

            ولو سلم ، فقد ثبت ظهورها بالمناسبة ، فيجب اعتبارها في الجميع ; للإجماع على وجوب العمل بالظن في علل الأحكام .

            التالي السابق


            ش - لما فرغ من السبر والتقسيم ، ذكر وجوب العمل بالطرق الدالة على العلية من السبر وتخريج المناط والشبه .

            وتقريره : أنه لا بد للحكم من علة للإجماع على أن أحكام الله - تعالى - مقترنة بالعلة ، وإن اختلفوا في أن اقترانها بالعلة بطريق الوجوب أو بطريق اللطف ، ولقوله تعالى : وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ، فإنه يدل على أن الأحكام لا تخلو من علة ; لأنه ظاهر في التعميم ، أي كون [ ص: 109 ] جميع ما جاء به رحمة للناس .

            فلو كان جميع الأحكام ، أو بعضها خاليا عن العلة ، لما كانت الأحكام رحمة ; لأن التكليف بالأحكام من غير أن يكون فيها حكمة وفائدة للمكلف ، يكون مشقة وعذابا .

            ولو سلمنا عدم الإجماع على اقتران الحكم بالعلة ، وعدم دلالة الآية عليه ، فثبوت الحكم بالعلة هو الغالب في الشرع على ثبوته بدونها . وإنما غلب ثبوت الحكم بالعلة في الشرع ; لأن تعقل العلة في الحكم أقرب إلى الانقياد والقبول من التعبد المحض ، ويحمل الحكم فيما نحن فيه على الغالب إلحاقا للفرد بالأغلب .

            فثبت أنه لا بد للحكم من علة ، وقد ثبت ظهور العلة في الطرق الدالة على العلية ، وفي المناسبة أيضا على تقدير ثبوت المقدمة المذكورة ، وهو أن الحكم لا بد له من علة .

            ولو سلم عدم ثبوت تلك المقدمة ، فقد ثبت ظهور العلة بالمناسبة من غير احتياج إلى المقدمة المذكورة ; لأن مناسبة الوصف للحكم تفيد ظن كونه علة .

            [ ص: 110 ] وإذا ثبت ظهور العلة في جميع الطرق الدالة على العلية ، على تقدير ثبوت تلك المقدمة ، وفي المناسبة على تقدير عدم ثبوت تلك المقدمة أيضا ، وجب اعتبار العلة في جميع الطرق ; لأنه يحصل ظن عليتها ، والعمل بالظن واجب في علل الأحكام بالإجماع .

            وإنما خص المناسبة لئلا يتوهم أن ظهور العلة في المناسبة إنما هو على تقدير تسليم عدم ثبوت تلك المقدمة .

            والحاصل أن ظهور العلة في المناسبة على تقدير عدم ثبوت تلك المقدمة ، وعلى تقديرها ثابت .

            بخلاف باقي الطرق ، فإن ظهور العلية فيه ثابت ، على تقدير ثبوت تلك المقدمة ، غير ثابت على تقدير عدمها .




            الخدمات العلمية