الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ص - الثاني : فساد الاعتبار ، وهو مخالفة القياس للنص .

            [ ص: 182 ] وجوابه الطعن ، أو منع الظهور ، أو التأويل ، أو القول بالموجب أو المعارضة بمثله ، فيسلم القياس ، أو يبين ترجيحه مع النص بما تقدم ، مثل : ذبح من أهله في محله كذبح ناسي التسمية ، فيورد : ( ولا تأكلوا ) .

            فيقول : مئول بذبح عبدة الأوثان بدليل " ذكر الله على قلب المؤمن ، سمى أو لم يسم " ، أو بترجيحه لكونه مقيسا على الناسي المخصص باتفاق . فإن أبدي فارق فهو من المعارضة .

            التالي السابق


            ش - الاعتراض الثاني : فساد الاعتبار ، وهو أن يكون القياس صحيحا في مقدماته ، لكن يكون مخالفا للنص في مقتضاه .

            وإنما سمي بفساد الاعتبار ; لأن فساده من جهة الاعتبار فقط ; لكونه صحيحا في مقدماته .

            وتوجيه سؤال المعترض أن يقال : هذا القياس لا يمكن اعتباره في إثبات الحكم به ; لكونه مخالفا للنص .

            وجواب المستدل بالطعن في النص ، إن كان قابلا للطعن ، بأن يكون من باب الآحاد .

            [ ص: 183 ] وإن لم يكن النص قابلا للطعن ; لكونه من القرآن أو خبر المتواتر ، فيمنع ظهور النص في نقيض مقتضى القياس إن أمكن . وإن لم يمكن لظهوره فيه فتأويل النص على وجه لا يكون مخالفا للقياس إن أمكن .

            وإن لم يمكن تأويله على هذا الوجه ، فجوابه بالقول بالموجب إن أمكن ، وهو تسليم الدليل مع بقاء النزاع ، وهو على أقسام ، كما سيأتي .

            وإن لم يمكن ، فجوابه المعارضة بنص آخر مثل نص المعترض ، فيسلم القياس من المعارض .

            وإن لم يكن المعارضة بنص آخر ، فجوابه أن يبين المستدل ترجيح القياس على النص بما تقدم من مرجحات القياس على النص في خبر الواحد ، مثال ذلك : قول الشافعي في حل المذبوح الذي ترك التسمية عليه قصدا : ذبح صدر من أهله في محله ، فيحل قياسا على ذبح ناسي التسمية .

            فيقول المعترض : هذا القياس لا يصح اعتباره لكونه مخالفا للنص ، وهو قوله : ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ، وإليه أشار بقوله : فيورد " ولا تأكلوا " ، أي فيورد المعترض في دفع القياس قوله - تعالى : ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه .

            [ ص: 184 ] فيقول المستدل : هذا النص مئول بذبح عبدة الأوثان لا ذبح المؤمن ، أي لا تأكلوا ذبح عبدة الأوثان .

            وإنما أول هذا لوجهين :

            الأول : أن المؤمن ذاكر لاسم الله ، لقوله - عليه السلام : " ذكر الله على قلب المؤمن ، سمى أو لم يسم " .

            الثاني : أن المقيس ، أي ذبح التارك قصدا راجح على محل الوفاق أي ذبح الناسي ; لأن التارك قصدا على صدد التسمية ، بخلاف الناسي ، وذبح الناسي مخصص عن النص بالاتفاق ، فذبح التارك قصدا أولى بأن يخصص لكونه راجحا ، فيئول النص بعبدة الأوثان ، فإن أبدى المعترض فارقا بين المقيس عليه والمقيس ، بأن [ ص: 185 ] يقول : الناسي لم يقصر ، بخلاف تارك التسمية بالقصد ، فهو من قبيل المعارضة في الأصل أو الفرع ، لا من قبيل فساد الاعتبار ، فيكون سؤالا آخر .




            الخدمات العلمية