الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رضي الله عنه - : " ولا خير في مد حنطة فيها قصل أو زوان بمد حنطة لا شيء فيها من ذلك : لأنها حنطة بحنطة متفاضلة ومجهولة ، وكذلك كل ما اختلط به إلا أن يكون لا يزيد في كيله من قليل التراب وما دق من تبنه ، فأما الوزن فلا خير في مثل هذا " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال . أما القصل فهو عقد التبن التي تبقى في الطعام بعد تصفيته ، وأما الشيلم والزوان فهما حبتان تنبتان مع الطعام .

                                                                                                                                            فإذا باع طعاما فيه قصل أو زوان أو يسلم بطعام ليس فيه شيء من ذلك ، كان البيع باطلا : لحصول التفاضل في الطعام بالطعام ، وكذلك لو باع طعاما فيه قصل أو زوان بمثله مما هو فيه قصل أو زوان لم يجز : لعدم التماثل في الطعام بالطعام .

                                                                                                                                            فأما يسير التراب وما دق من التبن إذا حصل في الطعام فبيع بمثله كيلا جاز : لأن هذا لا يؤثر في المكيال : إذ الطعام إذا كيل حصل بين الحب خلل لا يمتلئ بشيء من الطعام لضيقه . فإذا حصل في الطعام يسير التراب صار في ذلك الخلل فلم يكن له تأثير في الكيل .

                                                                                                                                            قال الشافعي : فأما الوزن فلا خير في مثل هذا . وليس يريد الطعام : لأن بيع الطعام بالطعام وزنا لا يجوز بحال ، وإنما يريد به ما يوزن من الورق والذهب إذا بيع بعضه ببعض وفيهما أو في أحدهما يسير من التراب لم يجز : لأن لقليل التراب تأثيرا وإن لم يكن له تأثير في المكيال .

                                                                                                                                            فصل : وأما بيع العلس بالعلس فلا يجوز إلا بعد إخراجه من قشرته لجواز أن تكون [ ص: 120 ] قشرة أحدهما أكثر من قشرة الأخرى فيؤدي إلى التفاضل فيه . وكذلك بيعه بالحنطة قبل تقشيره : لأنه صنف منها ، ولكن يجوز بيعه بالشعير : لأنهما جنسان يجوز فيهما التفاضل .

                                                                                                                                            فأما بيع الأرز بالأرز قبل إخراجه من القشرة العليا لا يجوز كالعلس ، فأما بعد إخراجه من القشرة العليا وقبل إخراجه من القشرة الثانية الحمراء ، فقد كان بعض أصحابنا يمنع من بيعه فيها بمثله ويجعل النصاب فيه عشرة أوسق كالعلس .

                                                                                                                                            وذهب سائر أصحابنا إلى أن هذه القشرة الحمراء اللاصقة به تجري مجرى أجزاء الأرز : لأنه قد يطحن معها ويؤكل أيضا معها ، وإنما يخرج منها متناهيا في استطابته كما يخرج ما لصق بالحنطة من النخالة ، ثم لم يكن ذلك مانعا من بيع الحنطة بالحنطة .

                                                                                                                                            وكذلك الأرز في بيعه بالأرز مع قشرته الحمراء ونصابه في الزكاة خمسة أوسق معها كالحنطة مع قشرتها الحمراء .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية